في ليلة نهائي كأس القارات على ملعب ماراكنا في ريو دي جانيرو مساء أول أمس الأحد يجوز القول من واقع فني ونفسي للقاء أن البرازيل بالثلاثية زلزت وأهانت العرش الأسباني للكرة العالمية بعد أكثر من ثلاث سنوات من التربع على عرش العالم الكروي. والفوز البرازيلي على أسبانيا بطلة العالم وأوروبا سيعيد تصنيف موقف المنتخبين، وربما الخسارة ترمي بأسبانا بعيدا عن الصدارة التي تعودت عليها فيما مضى من تصنيفات شهرية. ومن المؤكد أن تصنيف (فيفا) الجديد للشهر الحالي لن تتصدره أسبانيا كالمعتاد، وربما الفوز البرازيلي يدفع به إلى مراكز في الصدارة بعد غياب طويل عن المراكز الثلاثة الأولى. وسقوط الأسبان لم يكن متوقعا وبهذه النتيجة القاسية من الأهداف، فأسبانيا في ماراكنا لم تكن أسبانيا تلك القوة الكروية العظمى المعروفة في العالم بالأداء السلس المنظم الحاسم للنتائج. لكن في المقابل البرازيل غيرت شكلها الفني الذي شاب أداءها في السنوات الأخيرة وعادت البرازيل لتكون هي البرازيل ذات الاسم الكروي الفني الثقيل في العالم على الرغم من الظروف التي تزامنت مع البطولة والمظاهرات التي عمت البلاد احتجاجا على سوء الخدمات الاجتماعية والصحية وتزايد معدل الفقر. واللقب البرازيلي لكأس القارات الذي جاء وسط ظروف سياسية صعبة تعم البلاد هو الثالث على التوالي لنجوم السامبا والرابع بعد 1997 و2005 و2009 في حين أسبانيا بطلة كأس العالم الأخيرة وأوروبا مرتين كان ينقصها الفوز ببطولة كأس القارات لتجمع المجد بكامل أطرافه في رباعية تاريخية غير مسبوقة على مستوى الألقاب الكروية. ويبدو أن الإرهاق الأسباني الذي خلفته مقابلتهم مع إيطاليا التي امتدت إلى أوقات إضافية ومن ثم ضربات ترجيج سبب في تواضع الأداء تحديا في الشوط الأول الذي كان برازليا بنسبة كبيرة وبدا الأسبان على غير عادتهم يفتقدون إلى التركيز ودقة التمريرات حتى أنهم أضاعوا ضربة جزاء كان من الممكن أن تعيدهم إلى أجواء اللقاء. والأسبان حاولوا في الشوط الثاني وسيطروا على أغلب فتراته إلا أن المنتخب البرازيلي فرض إيقاعه الفني بعد تسجيل الهدف الثاني مطلع الشوط الثاني ولعب بتحفظ للمحافظة على مكاسبه حتى جاء هدف النجم نيمار الثالث والحاسم والمانع لأي حظ أسباني. يبقى القول إن ملعب ماراكانا خلق واقعا كرويا جديا وأيقن الأسبان أنهم إلى مدريد راجعون، وأن تاريخا جديدا في الفن والتفوق الكروي قد انتزع منهم على أرض الملعب من البرازيليين الذين لعبوا للفوز ولابديل عن الفوز على أرضهم الملتهبة. ونجحوا في تحد الظروف القاسية تحت ضغوط متعددة كروية ونفسية وشعبية واجتماعية وسياسية من جراء المظاهرات الاحتجاجية التي تعم البلاد احتجاجا على تردي الأوضاع الاقتصادية للسكان في وقت تنفق الحكومة مئات الملايين على كرة القدم بتنظيم كأس القارات ومونديال 2014 . وربما الفوز البرازيلي بكأس القارات بالتغلب على صفوة منتخبات القارات يرفع من آمال البرازيليين إلى حد كبير جدا من أن نهائيات كأس العالم التي تستضيفها البلاد صيف العام المقبل باتت في حكم الميسور الفوز بها. والفوز البرازيلي جاء في وقت كل البلاد في حاجة له ليس في المجال الرياضي وحسب بل على كافة الأصعدة الساخنة وربما يساهم اللقب الكروي في التخفيف من نقمة الغضب الشعبي الذي صاحب البطولة نحو انحسار الاحتجاجات والمظاهرات وسط محاولة حكومية للتهدئة بالاستجابة لمطالب المحتجين.