انتهت يورو 2012.. وياليتها لم تنته لتستمر المتعة والإثارة الكروية، فقد عاش العالم بأسره مع فنون الكرة بكل ماتحمله من إبداع كروي وتنظيمي وحضور جماهيري ونقل تلفزيوني مميز، ومعلقين كرويين يحسنون التحضير والوصف والتعليق، وأخص بالذكر الأكثر تميزا وهما التونسيان رؤوف خليف وعصام الشوالي، ويأتي بعدهما من باب الإنصاف الإماراتي علي سعيد الكعبي. انتهت يورو 2012 في ملاعب بولندا وأوكرانيا بتتويج الماتادور الإسباني الفريق الأعظم في تاريخ الكرة العالمية حاليا من حيث الأداء الفني الراقي، وما قدمه في النهائي أمام المنتخب الإيطالي الدفاعي الصلب العنيد من فنون استعراضية إيجابية، توجها برباعية نظيفة في مرمى بوفون، وهو واحد من أفضل حراس العالم وأمامه دفاع مشهود له بالصلابة.. ما هو إلا بصمة التأكيد على التفوق، وانتصار أيضا على الظروف المالية التي تعصف ببلاد الإسبان. والمنتخب الإسباني بقيادة كوكبة من النجوم الأفذاذ دون تميز أحد منهم قدموا للمشاهدين ولجماهير العالم نسخة جديدة مطورة من سلسلة إصداراتهم الكروية في فنون كرة القدم، ورغم فوز لاعب الوسط (الآلي) الزئبق اينيستا بلقب أفضل لاعب في البطولة إلا أنهم كلهم يستحقون جوائز التفوق بلا استثناء، وكانت البطولة بمثابة الجائزة الكبرى المستحقة والعادلة لمنتخب تميز عن الآخرين. كما أن فوز النجم اينيستا بلقب أفضل لاعب في البطولة واختيار عشرة من لاعبي المنتخب الإسباني ضمن المنتخب الأوروبي دليل على أن أوروبا أمام ظاهرة كروية لافتة اسمها المنتخب الإسباني. وكلام اينيستا للإعلام عقب النهائي من أن منتخب بلاده لن يقدم أداءً مماثلا في المقبل من المسابقات، هذا معناه أن فرط الإعجاب العالمي بمستوى الإسبان المذهل والخارق للعادة في النهائي كان حاضرا في أذهان من صنع الأداء البديع أيضا لدرجة أنه يشكك في تكراره. وانبهار العالم بالمستوى الإسباني ليس لأنهم هزموا المنتخب الذي طلما كان شوكة في حلوق منتخبات أوروبا القوية، بل بمحافظتهم على التفوق المطلق بتحقيق منتخبهم بطولة أوروبا للمرة الثانية على التوالي، جامعا بذلك المجد الرفيع -غير المسبوق- على مستوى قارات العالم كونه بطلا للعالم في مونديال جنوب إفريقيا 2010 وبطلا للقارة العجوز موطن كبار ومؤسسي كرة القدم لمرتين متتاليتين. وكنت في مقال الأحد الفائت قد ذكرت أن الطليان يدركون قبل غيرهم أن إسبانيا بطلة العالم في مونديال جنوب إفريقيا 2010 وبطلة النسخة الماضية (يورو2008) وإنها ليست ألمانيا التي يخذلها الحظ أمامهم. كما أنهم يعرفون أنه لاعوامل نفسية يمكنهم المراهنة عليها كما فعلوا مع المنتخب الألماني في نصف النهائي بإخراجه بهدفين لهدف، مستفيدين من تخصصهم التاريخي النفسي في التغلب على الألمان طيلة لقاءاتهم معهم على مستوى القارة الأوروبية، إذ لم يسبق للألمان هزيمة إيطاليا في اللقاءات الرسمية. وذكرت أيضا في ذلك المقال أن الصراع بين القوة الإيطالية المحصنة دفاعيا والبراعة في استثمار الهجمات المرتدة وبين النعومة الإسبانية في رسم المربعات والمثلثات داخل الملعب والوصول إلى الهدف عبر خلخلة دفاع الخصم وهو ماحدث على أرض الملعب طيلة المباراة مساء الأحد الفائت الذي كان يوما تاريخيا مشهودا في فنون كرة القدم، يوم تحول فيه الطليان بجبروتهم وقوتهم إلى متفرجين على الفن الإسباني خاصة في الشوط الثاني. يبقى القول إن الأداء الإسباني الراقي يؤكد أن المجد الكروي البديع بات ماركة إسبانية مسجلة ولم يعد ماركة للبرازيليين الذين ظلوا عقودا طويلة يسمون ملوك الكرة، وفي الزمن الكروي الإسباني باتوا ملوكا سابقين وعليهم والعالم أجمع أن يعترف بالملوك الجدد المتربعين على عرش الكرة العالمية لعبا ونتيجة وحصادا للبطولات الكبرى.