|


أحمد الحامد
أحاديث المقاهي 2
2018-06-20
أجلس في مقهى لا أعرف اسمه، هذا المكان يتميز بجماله الفيكتوري، قديم لكنه ثري، دافئ وأنيق، أن تجلس بهذا المكان وبسعر فنحان قهوة هي صفقة رابحة جداً، كنت قد اتفقت مع نفسي أن الرجل الحزين لا يصلح للكتابة، مثله مثل الرجل الغاضب الذي يتفوه بكلمات ثم يندم على قولها.

الحزين عندما يكتب يصور الحياة مأتماً كبيراً، ويقدم لك دعوة للبكاء الذي لا يتوقف والكآبة التي لا تنتهي.

لا أعلم إن كنت غاضباً أو حزيناً، لا أعرف مسمى الحالة التي أشعر بها الآن، لكنني أحتاج أن أكون وحيداً حتى لا أنقل عدوى الحالة إلى غيري، لكنني سأكتب عن شيء ما، السرقة لا تعني الحالة المتعارف عليها فقط وهي أن أحداً ما سرق شيئاً معينًا ملموساً من أحد ما، السرقة تتجاوز الأشياء الملموسة التي تبقى صغيرة أمام سرقة كل ما هو محسوس، الأب السيئ قد يسرق حياة أبنائه ويجعل منهم ذوي عقد قد لا تنتهي إلا مع رحيلهم من هذه الحياة، الزوج السيئ هو الذي يسرق من زوجته كل رسومات أحلامها لأسرة سعيدة مترابطة وزوجاً عاشقاً يعود مشتاقاً بعد كل عودة من عمل، التاجر الجشع يسرق سنوات من عمر من عمل معه على تنمية أمواله وتوسع شركاته مع بقاء هذا العامل على خط الفقر، السرقة في كل شيء، قد أكتب ما أكتبه لأن هناك من سرق مني عاطفة ما، الأصدقاء قد يسرقون محبتك لهم، السرقة هنا تعني أن المحبة والود هنا من اتجاه واحد، قد تكتشف متأخرًا هذه النتيجة لكن الاكتشافات دائمًا جيدة، ما أجمل هذا المقهى وما أجمل مدفأته، نيرانها الذهبية تسرق حياة الأشجار، هذا المقهى يسرق الوقت بهدوئه، وأناقة عامليه، أنيقون لدرجة محرجة، مهذبون لدرجة تخجل أن تطلب منهم شيئاً، سأصادق هذا المكان، إنه لا يسرقني، يعطيني جماله مقابل ثمن فنجان قهوة، سأحكي لكم في المرة القادمة ما يجول في خاطري كلما شاهدت العجائز الإنجليزيات الأنيقات في المقاهي، رحم الله جدتي!

ما زلت أذكرها جيداً وأذكر مشوار حياتها الذي كابدت فيه ظروف الحياة الصعبة، عندما كانت الحياة قاسية على معظم نساء ذلك الزمان، كلما شاهدت العجائز الإنحليزيات وهن يشربن الشاي الإنجليزي في هذه الأماكن الدافئة وأسلوب حياتهن تذكرتها!