|


فهد عافت
جدول ضرب وقسمة المعنى!
2019-02-26
ـ ربما، كان المعنى الوحيد الذي يُمكن فهمه كما هو، واستيعابه كما هو، أي وصوله تامًّا، هو ذلك الذي لا يُقال بالكلمات، الذي لا يُمكن لمجموعة من المفردات الصّيّادة الإحاطة به، وإيقاعه في شبكتها!.
ـ النظرة، التلويحة، الإشارة، اللمسة الحانية، الدفء والمؤانسة فيما لا تقوله الكلمات، هو ما يُمكن فهمه على نحو "تام"، وبعيدًا عن الملاطفة الساذجة، فإنه وللأسف أيضًا، يمكن لنظرات الحسد، وتعابير البغض والامتعاض، والهواء الثقيل للمجالسات المملّة، أن تصلنا كما هي، وأن نفهمها فهمًا "تامًّا"!. وإن كان أمرض المرض: عِلّة سليمة!.
ـ أمّا ما يُحشر في كلمات، ما ينحدر من قمم الأحاسيس هابطًا إلى سفوح وِدْيَان المعنى، ما تتمكّن العبارات من تقليم أظافره، وغسله بصابون اللغة، وتطويق رقبته بعِقْد مزركش من الكلمات، يُزيّنه أو يَدُلّ على مُلكيّة صاحبه له!، فهو غير قابل للفهم "التّام"، ومن الطبيعي ألا يصل بأكمله، أو أن يُفهم على نحوٍ آخَر!.
ـ وصول المعنى عبر الكلمات لا يُمكنه أن يكون "تامًّا"، ذلك أن الكلمات لم تُحط به أصلًا، واكتفت بالمُمكن منه، بالمهيّأ للقوْلبَة والحشر في صندوق اللغة!.
ـ اللغة تلك التي لا يمكن لها القبض على شيء، أو الإمساك به، أو حتى مصافحته، دون تحويره، ودون أن يتبدّل منه شيء، أي دون ألا يكون هو "تمامًا"!.
ـ وعليه فإن الآخَر، المُستمِع أو القارئ، لا يُمكنه إلا أن يكون إمّا قاصرًا عن المعنى أو "مُتَمِّمًا" له!.
ـ يَحزَن كثير من الناس، مُعلنين أحزانهم بما يشبه الحسرات، من عدم فهم الآخرين لما يقولون، أو من سوء الفهم، متّهمين الآخر بفقدان الفطرة السليمة، أو بتعمّد التحوير خُبثًا!. وأظن أنّ عددًا قليلًا من هؤلاء الناس مُحقّ، لكنني أظن أيضًا أنه مُحقّ بنسبة لا تزيد عادةً عن 3 من 10 للمشمولين بالملامات والتُّهَم!.
ـ طبيعة في الكلام ألا يُفهم "تمامًا"!. بل لعلّه من المُحزن البائس فيما لو فُهِم "كما هو"!. هذه مسألة ضد إثراء أي فكرة!. ولو كان هذا هو الهدف حقًّا لما احتاجت الإنسانية لغير معرفة الحساب وحفظ جدول الجمع والطرح والضرب والقِسْمَة!.
ـ ما نُسميه بجدول الضرب، ومشتقاته، كان يكفي للتقدّم العلمي، ومن الخطأ الظن بأن الدنيا كانت ستتأخر في الوصول إلى كل ما وصلت إليه حتى الآن من تطوّر، بل العكس، إذ ربما أسهمت اللغة بتداخلاتها مع وفي الرموز الحسابية بتأخير الإنسانية عمّا كان يمكن أن تصل إليه!. لكن اللغة هي التي قرّبت الإنسان من فهم وجوده!.
ـ الحِساب قدّم المعرفة، واللغة قدّمت الفهم!. الرياضيّات جواب: كيف؟. اللغة جواب: لماذا؟!.