|


فهد عافت
القراءة مُتعة وللمتعة!
2019-03-09
في القراءة: إنْ كانت رغبتك هي قراءة ما "يفيدك"، وكان هذا هو هدفك من التوجّه إلى المكتبة، فأنت تدْرس!. وهو أمر طيّب ولا يُعيب، وإنْ كنّا سنرجع لهذه النقطة بعد قليل بتفصيل قد يخدشها!.
ـ أمّا إن كنت تقرأ بهدف المتعة، وكان هذا ببساطة هو كل ما تريده من المكتبة، فلسوف تجدها، ولسوف تكسب من خلالها فوائد لم تخطر لك على بال!.
ـ نرجع لنقطة "الفائدة". القراءة من أجل الفائدة، ليست معيبة بحد ذاتها، وهي مفيدة جدًّا، حين يتعلّق الأمر بدراسة بحثيّة، أو للإحاطة بمتطلبات وظيفة ما، لكن هذه أمور مؤقتة، ما إن يكمل القارئ البحث، ما إن ينتهي من الاختبار، ما إن يحصل على الوظيفة أو الرتبة، حتى يتوقف عن القراءة!. هذا ليس قارئًا بالمعنى الحقيقي، أو أنه ليس المُشار إليه هنا بوصفه قارئًا!.
ـ أتحدث عن القارئ، الذي يقرأ دائمًا، وتشكّل القراءة جزءًا من وقته اليومي، لكنه يفعل ذلك كله، يفعله دائمًا، أو غالبًا، بهدف الحصول على فوائد. سيحصل على كثير منها دون شك، بل سوف يُصادف متعًا كثيرة، لكنه لن يستقبلها كلها بالترحاب نفسه!.
ـ بعض المُتَع ستفوته، وبعضها الآخر لن يتمكن من الإمساك به، ذلك أنه كان فاتحًا كفّيه وليس صدره!. مساحة الكفّين صغيرة، تمتلئ بسرعة!. السّعة في الصدر لا في الكفّ!.
ـ ما سبق أمر مُحزن، ما سيأتي أمر خَطِر: في الغالب: من يقرأ للفائدة، متغطرس من الداخل، مغرور، وكل مغرور أجوف!.
ـ إنه في الوعي، أو اللاوعي، يظن بامتلاكه الحقيقة، وإلا فكيف عرف ما هو المفيد؟!. بمعرفته هذه سيحكم على الأشياء والحياة والناس والكتابة!، معرفة استقطاب وإقصاء مُعَدّين سلفًا!.
ـ وحتى لو لم يكن متغطرسًا، فإنه سيصير كذلك!. خطوتين ويتغطرس!. لأنه سيظل يبحث عمّا يؤيد رأيه ويتماشى مع أفكاره ويؤكد نهجه، ولسوف يجد الكثير الكثير من هذا، وفي المقابل سيقوم بإقصاء كل ما يخالف ويعارض ولا يتوافق مع أفكاره وقناعاته المُسبقة، ولن يكون الإقصاء هنا عادلًا؛ لأنه سيكون إقصاءً عن طريق التّجنّب والامتناع وحجب الرؤية!.
ـ وشيئًا فشيئًا، وبمساعدة من كتبه المفيدة، سيتضخّم، ويتغطرس!. ولن ينتبه إلى أنه بالون فارغ يمكن لرأس إبرة فرقعته!.
ـ ما إنْ "يتقرطس" حتى يتغطرس!. وعقوبة المغرور المتغطرس داخليّة جُوّانيّة، حتّى وإنْ ظَهَرَتْ للخارج، فإنه ما مِن أحد يحس بها عُشْر إحساس صاحبها بها: المغرور المتغطرس مريض، وعلّته غياب ثقته بنفسه!. مهما بدا لك ثابتًا، فإنه يُمثّل ويكذب!، هو متسلّق مهزوز بشكل يثير الاحتقار، وهو أدرى الناس بذلك!.
ـ انظر حولك: كل من يتحدث أو يكتب، فلا تجده قادرًا على المشي في الموضوع بنفسه وبأنفاسه، وأن قيمة ما يقول وما يكتب من حفظه لا من نبضه!، لا يقنعك ولا يمتعك بغير قصاصات و: قال فلان، أكّد علان، ذكر فلنتان، عبّر علنتان!، ليس لديه شيء آخر، هو من فصيلة قرّاء الفائدة لا المتعة!.
ـ الاستشهاد بالآراء شيء، والاكتفاء بتكديسها، وربطها بواوات عطف وأشباه جُمَل شيء آخر تمامًا!.