|


فهد عافت
الفن ونقده: امتنان وجداني!
2019-03-16
مهما حاول النقد الفنّي أن يكون أمينًا وصادقًا، بل وبالذّات إن هو حاول أن يكون كذلك، فإنه لا يمكن له الوصول، كما لا يمكن لنا الوصول من خلاله أو عن طريقه، إلى نتيجة من خلال المنطق والتبريرات العقليّة الصّرْفة!.
ـ دعك من النقد. الفن نفسه لا يمكن له تقديم نفسه والدفاع عن وجوده حقًّا من خلال مفاهيم عقليّة بحتة أو توافقات مُقنعة منطقيًّا فقط!.
ـ ثمّة شيء "وجْدَاني" صرْف، يتدخّل ويفرض أحكامه!.
ـ نحن نستخدم الكلمات لنبرهن لأنفسنا، وللآخر، أننا متناغمون مع أحاسيسنا، وأننا نفهم أنفسنا بدرجة كافية تستحق التقدير!.
ـ المنطق والتبريرات تحتاج إلى "كلمات" لتعبّر وتوضّح وتشرح، وبالتالي لتُقنِع. لكن الفن لا يتطلّب الاقتناع لكي يفتتن به متلقّيه ويهيم!. هو لا يرى في ذلك بأسًا، بل ربما يُرحّب به متى ما أحضره النقّاد المؤازرون تحت آباطهم كملفّات مرافعة!.
ـ لكن العمل الفني نفسه لا يريد حمل هذه الملفّات بنفسه!. تثقله وهو يحبّ الخفّة!. يكفيه أن يصل بمتلقّيه إلى حالة خاصة من الانبهار، حالة من الشغف القادر على تجديد نفسه، حالة من الامتنان الوجداني، ليؤكّد ذاته!.
ـ والفنّان الحقيقي يعرف أن عمله الفنّي، لا بد له من أن يقيم علاقة خاصة، بل من فرط خصوصيتها نقول علاقة سريّة!، بين العمل والمتلقّي!. علاقة لا يدخل معها ولا يتدخّل فيها أحد سواهما: العمل الفني والمتلقّي!.
ـ لا النقّاد ولا العبط الدعائي ولا الضغط الجماهيري، ولا الجوائز ولا دعوات المهرجانات، ولا نسبة الأكثر مبيعًا وتوزيعًا ومشاهدةً!، ولا حتى الفنّان نفسه عبر ماضيه أو حاضره أو مواقفه الإنسانية أو السياسيّة أو شخصيّته عنفًا ولطفًا في الحياة العامّة، ولا أي شيء آخر، سينفع أو يضر بتلك العلاقة السريّة القائمة على الشغف والوجد الداخلي الذي يشعر به ذلك المتلقّي "المُحدّد" مع وتجاه وفي ومن خلال ذلك العمل الفنّي "المُحدّد "نفسه!.
ـ طبعًا، مسألة "ينفع" أو "يضر" السابقة، ليست حاسمة وقاطعة كما هي الحال في حسابات البقالة، لكن العمل الفنّي العظيم حقًّا، لا يقيم لغير وجوده المنفرد وزنًا!.
ـ والمتلقّي الموهوب الحصيف يفعل الشيء ذاته. قد يلجأ المتلقّي، زيادةً في المحبة، للاستفادة من معطيات خارجية ليست من ولا في العمل الفني نفسه، كأن يستفيد من سيرة الفنّان الشخصية، أو من تأمّلات نقديّة طيّبة وكاشفة، سبق لها أن أنصفت العمل الفني بإشارات عبقريّة، لكنه في أول الأمر وفي آخره، ومتى ما تصرّف كمتلقٍ أصيل، ودون زيف أو مزايدة، فإنه يعلم يقينًا أن علاقته السريّة بالعمل والقائمة على الشغف والإجلال و"الرّضا العاطفي" هي أصل كل شيء وفصله!.
ـ كل ما سبق، لا يعني غياب فوائد النقد العظيمة، ولا يقلل من قيمة قدرته على الإضاءة والكشف، لكنه حتمًا سيفشل في الوصول إلى هدفه متى ما تجاهل هو الآخر حكاية الامتنان الوجداني الذي عليه أن يجذب بها القارئ إلى ما يقول!.
ـ على النقد الفنّي أن يكون فنيًّا هو الآخر، وإلّا فإنّ مراده لن يتحقق!.