|


أحمد الحامد⁩
تعدو الذئاب
2019-05-13
مما قد يعانيه الكريم، المال إذا قلّ أو شح، ومن اللوم الدائم إذا ما جاء من الناس القريبين الذين يرون بأن الكريم منهم إنما هو يتلف مالهم الذي هم أحق به من الناس، فيعيش الكريم صراعاً نفسياً خفياً، بين ممارسة عادته وطبيعته وبين الصبر على تحمل اللوم الذي يتحول مع الوقت إلى كلمات مؤلمة وجارحة.
حكايات الكرماء وصراعاتهم كثيرة، يُحكى أن طلحة بن عوف قالت له امرأته بعد أن شاهدت عجائبه في الكرم وصبره الجميل على الدنيا إذا ما تقلبت عليه: ما رأيت قوماً أشد لؤماً من إخوتك، إذا اغتنيت لزموك، وإذا افتقرت تركوك! فقال لها: والله هذا من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزنا عن القيام بحقهم!
ـ من أبيات الشعر التي بقيت في الذاكرة رغم فقدانها الكثير من تفاصيل الذكريات والأسماء والوجوه بيتاً من الشعر، صار مثلاً عند أمة العرب، أسباب قول البيت تعود لقصة يعرفها بعضهم وبعضهم أيضاً لا يعرفها، يُحكى أن امرأة قدمت مكة للحج وكانت امرأة جميلة، فلما رآها الشاعر المعروف عمر بن ربيعة ذهب وكلمها متغزلاً بها لكنها لم تجبه، في اليوم الثاني كرر عمر ما فعله معها في اليوم الأول فقالت له: إليك عني فإني في حرم الله وفي أيام عظيمة، لم تؤثر تلك الكلمات ولا حرمة المكان بشاعرنا "المغازلجي" حينها، وقد قيل عنه كثيراً بأنه كان كثير التحرش والتغزل بالنساء لكنه في قصائده يظهر نفسه المعشوق منهن أكثر من كونه العاشق لهن، في اليوم الثالث عندما أرادت المرأة أن تذهب إلى الحرم قالت لأخيها اذهب معي وأرني المناسك، شاهدها عمر بن أبي ربيعة وعندما اقترب منها شاهد أخاها بجانبها فلم يتعرض لها ومضى بعيداً عنها، فأنشدت قائلة:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي صولة المستأسد الضاري
ـ الإنسان بطبيعته يحتاج إلى رادع دائماً لأن النفس إن لم تمنعها وتحجّمها قد تسلك بك إلى ما لا يُحمد عقباه، هي تحتاج إلى من يمنعها من ارتكاب الخطأ وإلى من يخيفها حتى لا تقدم عليه، لذلك في الأماكن التي تفقد الأمن وفرض القانون لسبب من الأسباب يظهر على السطح الكثير من "الحرامية" والمجرمين وحتى "قتالين القتلة" الذين لم تكن تتصور بأنهم موجودين، هؤلاء الذين أثناء فرض الأمن قد تعتقد بأنهم محترمين لأنهم مسالمين، والحقيقة أنهم لم يكونوا كذلك بل كانوا خائفين من العواقب فلما سادت الفوضى وفُقد الأمن وأمنوا العواقب ظهروا على حقيقتهم!