|


طلال الحمود
حكواتي
2019-09-07
لم يعرف المشاهد العربي ظاهرة برامج الضوضاء العالية قبل برنامج “الاتجاه المعاكس”، الذي يتبنى نشر ثقافة الغوغاء في الشارع العربي، بدعم من أمير قطر السابق حمد بن خليفة الذي يصنّف صراخ المذيع والشجار بين الضيوف كأهم المفرحات في حياته اليومية، وكثير ما حاول الأمير السابق تقمص شخصية مذيع هذا البرنامج، خاصة أثناء مؤتمرات القمة العربية والإسلامية، ولعل ما حدث في الدوحة بين وفدي العراق والكويت من تلاسن، ودور “حمد” في إنهاء المشهد على طريقة فيصل القاسم، يبرهن مدى تأثره بهذه الثقافة الغريبة.!
انتقلت الفكرة لاحقًا إلى البرامج الرياضية، وبات المذيع القطري في برنامج المجلس يلعب دور العاقل الذي يستطيع لجم السعودي الغاضب والإماراتي المنفعل والكويتي المتهور، وإعادة الأمور إلى نصابها، ومع مرور الأيام بدأ بعض السذج في تبني ثقافة الصراخ الإعلامي، وبدأت النسخ المحلية من تغزو محطات التلفاز في دول الخليج ولكن تحت مسميات مشابهة من المركاز إلى الدكة إلى عتبة البوفيه وغيرها، وربما يكون برنامج “الديوانية” الذي تبثه القناة الرياضية الاستثناء الوحيد، خاصة أنه تجرد من فكرة الصياح وتداخل الأصوات، واهتم بالوصول إلى المشاهد عن طريق حوار الأفكار وليس الأصوات.
هناك أيضًا برامج لا تقل سوءًا تعتمد على فكرة “talk show”، ومهمة هذا النوع أن يخرج المذيع للحديث عن قضية معينة كما يحلو له، ثم يستدل على صحة معلوماته بعرض صورة لورقة أمام المشاهدين الذين لا يعلمون إن كانت هذه الورقة وثيقة أم قائمة لـ “مقاضي” البيت، بسبب طريقة عرضها البدائية، ثم يقوم المذيع بعرض الأمر الخطير على أبو عبير وأبو كفاح، لتأكيد صحة هذه الوثيقة والثناء على براعة مقدم البرنامج وقدرته الرهيبة على إثارة القضايا الغامضة.!
ويبقى الأدهى انتقال هذه السطحية من شاشات القنوات التجارية إلى التلفزيون الرسمي، وتردي الحال من خلال العبارات الركيكة التي تظهر على الشاشة، وعدد الأخطاء النحوية والإملائية التي لا تليق حتى بقنوات الـ “يوتيوب”، وسط صمت غير مبرر من هيئة الإذاعة والتلفزيون بشأن إيقاف هذا العبث أو تصحيحه على الأقل، خاصة أن ملايين الطلاب يتعرضون لتخريب لغتهم العربية بفعل تأثرهم بالأخطاء النحوية والإملائية التي تعج بها الشاشة الرسمية!.
بلغ الحال أخيرًا بهذه البرامج، أنها لم تعد تراعي معايير الإنتاج التلفزيوني، ولا تقيم وزنًا للصورة، حتى تحولت إلى برامج إذاعية بتكاليف تلفزيونية، سبب قناعة مقدميها أن بإمكانهم مناقشة قضايا التلفاز على طريقة “الحكواتي” ومستمعيه.!