|


صالح الخليف
ليس هناك مدرسة
2019-10-18
انساق أهل الصحافة في عالم العرب لسنوات طويلة وراء الوهم الكبير المتمثل في أن مهنتهم ليس لها سوى طريقتين تظهران بهما أمام الناس.. المدرسة المصرية والمدرسة اللبنانية، ويقولون إن المدرسة المصرية تعتمد على الإثارة الواقعية والهرم المقلوب في صياغة الخبر وتنوع الصفحات في الجريدة الواحدة والعناوين التقريرية الطويلة، فيما أن اللبنانية تتخذ اتجاهًا مخالفًا ومعاكسًا إلى حد كبير مع إيمانها المطلق بالاختصار واللغة المباشرة والصورة الحية التي تأخذ حيزًا ومساحة واسعة..
وعلى أية حال لا يمكن إطلاق تعريف واضح المعالم وواقعي التعابير وحقيقي المعاني لما يمكن تسميته مجازًا بالمدرسة المصرية أو نظيرتها اللبنانية.. بعد سنوات في هذه المهنة والتغلغل في تفاصيلها وصلت إلى قناعة لا تتزحزح بأن القائلين والمتكلمين بهاتين المدرستين إنما يرددون كلامًا إنشائيًّا معلبًا يتوارثونه عن السابقين دون فحص أو دراية.. كان سكان القاهرة يتصبحون في أعوامهم السالفة على الثلاثية: الأهرام والجمهورية والأخبار قبل أن تغزو المصري اليوم والشروق والوطن أمزجة وذائقة القراء.. بالطبع أتحدث عن الصحف الشهيرة هناك، وإلا فإن المصريين يستقبلون يوميًّا وأسبوعيًّا عشرات المطبوعات التي تستحق الدراسة والتقدير والاحترام.. الأهرام والأخبار والجمهورية أعرق الصحف المصرية، لكن لكل منها توجهها وسياقها التحريري الخاص.. لا يمكن القول بكل بساطة وسهولة إن هذه الصحف الثلاثة تخرج بوجه متشابه مثل خبز الفران.. أبدًا أبدًا.. لكل منها منهجه فلا تتناظر ولا تتطابق ولا تتوافق..
ما أقوله عن صحافة المدرسة المصرية كما يسمونها لا بد لي من استنساخه شكلًا ومضمونًا عن صحافة المدرسة اللبنانية.. بيروت الفاتنة الساهرة على صخرة الروشة لا نقطة التقاء تجمع الصحف والصفحات فيها.. لست أعني التوجهات وإنما فقط الخط التحريري.. جميعها بلا استثناء لها وجهة مختلفة عن الأخرى..
في كليات الإعلام حاول الأساتذة ترسيخ هذا المفهوم المضلل عن وجود مدرسة مصرية وأخرى لبنانية.. الخلاصة التي أعرفها ويمكنني الإيمان بها أن الإشارة إلى هاتين المدرستين وجعلهما قبلة لوجهة الصحفيين من المحيط إلى الخليج، سببه ومسبباته الأقدمية، وإلا فإن مسألة رسم خارطة لأي صحيفة تتوقف عند رؤية وتطلع رئيس تحريرها فقط، وكما أن لكل شيخ طريقة كما يقول أهل البادية في أمثالهم، فلكل رئيس تحرير فلسفته الخاصة التي يريد القتال لإنجاحها بعيدًا جدًّا عن كل ما يثار وما يمكن تعليمه أو تعلمه من المدرسة المصرية أو اللبنانية.. الأقدمية وحدها هي من جعل الأكاديميين والمنظرين في ردهات الصحافة يقسمون الغنيمة إلى مصرية ولبنانية.. والحقيقة أن الهوية الصحفية العربية برمتها ليس لها هوية. إنها هوية رئيس التحرير، وهذا يحدث في مصر ولبنان وموزمبيق وحتى في أمريكا.. هذه هي الصحافة..