|


رياض المسلم
تصوير النافورة.. جائز
2019-11-16
ما أجمل الوسطية.. وليس هناك أفضل من الشخص عندما يكون معتدلاً في كل تصرفاته وأمور الحياة، ويتضح ذلك جليًّا من خلال المواقف التي يمرّ بها الإنسان، فالوسطي لن تؤثر عليه عواصف الزمن العاتية أو الأفكار المنحرفة.. فلديه مخزون وسطي يقوده لاختيار الصواب بعقله وليس بعواطفه أو تأثير من حوله..
الحديث عن الوسطية يطول، ولكن نلخصه فيما قاله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه»..
في حياتنا، نمر بمواقف عدة وأشخاص يسعون إلى تجريدنا من الوسطية التي هي فطرة الإنسان.. يبذلون جهدًا من أجل أن تنحاز لهم ولأفكارهم.. الكثير اتبعهم ولكن عادوا إلى صوابهم بعد أن نضجوا..
قبل 20 عامًا، كنت أعشق التصوير الفوتوغرافي واحتفظت بكل صوري في مرحلة الطفولة، منها ما أهداني إياها والدي من أجل حفظها..
أسرتني الكاميرات "الفورية".. وأدمنت الذهاب إلى استديوهات التصوير لتحميض الأفلام.. جمعت ألبومات عدة.. لست مشهورًا أو نجمًا، ولكني عاشق لجمع الصور الخاصة بي وبأخوتي وأصدقائي.. كنت وقتها في المرحلة المتوسطة.. شخص في الحارة في ذلك الزمان كشفت له عن هوايتي.. نظر إليّ نظرة غريبة عاقدًا حاجبيه، وقال: "أنت ما تعرف أن التصوير حرام؟".. أجبته "لا".. هذه صور عادية وذكريات لي.. فلماذا تدخل في دائرة الحرام؟..
كان يكبرني وقتها بأكثر من عشرة أعوام.. رددت عليه: وماذا أفعل؟.. قال: "أحرقها"..
نظرت إليه على أمل أن يبدل رأيه أو يكون مازحًا.. ولكنه لم يفعل.. كنت أسمع كلامه في أمور عدة كحال أبناء جيلي في الثمانينيات الميلادية.. طلب مني مرة أخرى أن أحرقها كلها.. تمنيت لو استثنى صور الطفولة منها أو قال بأنها جائزة، لكنه لم يفعل..
رضخت لطلبه.. وقلت له سأحرقها وأحرق معها ذكريات جميلة.. مدّ لي "الكبريت" على الفور.. جملة "قديمك نديمك" على الكبريت لم تفارق مخيلتي.. قلت له سأذهب إلى البيت من أجل أن أحرق كل الصور.. رفض.. ففرحت بأنه بدل رأيه، ولكنه قال الأفضل أن تحرقها في "الوادي".. قلت له: هذه صور طفولة ومحتشمة.. لماذا أحرقها في الوادي".. رد بأنه من الأفضل أن تُحرق هناك..
على مضض حرقتها وأنا سعيد بأني عملت الصح من وجهة نظره، ولكني غير مقتنع تمامًا..
تمر السنون والسنون، في البوليفارد أستمتع وأنا أشاهد النافورة الراقصة على أنغام الموسيقى وأوثقها بالصور.. شخص بجانبي يلبس الشماغ و«العقال» في يده آيفون "3 كاميرات" يصور النافورة مبتسمًا.. عندما تحدث عرفت صوته.. هو الشخص ذاته الذي طلب مني أن أحرق الصور.. ما أجمل أن يكون الشخص وسطيًّا..