|


فهد عافت
ألف ليلة وليلتان!
2019-11-17
ـ حتى تصل لأسلوب ما، في الكتابة أو في أي عمل فنّي، يلزمك أولًا طحن حَبّ أكبر قدر ممكن من الأساليب الجيّدة والممتعة التي مررتَ بها. وفي بعض الأحيان، لكنها تظل أحيانًا قليلة، تكون حتى الأساليب الرديئة والمتهالكة مفيدة، فهي قد تختصر لك وقت التجريب!، إذ بنفورك ومللك منها، ومعرفتك بمدى ثقلها وتفاهتها، تكون قد أخذتَ درسًا مهمًّا، يغنيك عن تجريبها، ويدفعك للابتعاد عنها!.
ـ الموهوب حقًّا لا يشعر أنه يبذل جهدًا في ذلك. الأساليب الحلوة تمرّ به وتأخذه معها، تنمو من خلاله وينمو من خلالها، مثل أي نمو طبيعي، وهو يضيق ذرعًا بالأساليب الرديئة، وينفر منها نفور الإنسان الطبيعي من الرائحة الكريهة ومن مصاحبة الثقلاء!.
ـ لا يمكن لك معرفة ما إذا صار لديك أسلوبك الخاص أم لا، قبل مرور زمن طويل. تظل البدايات غائمة ومُحيّرة!. وهذا طبيعي أيضًا، فنحن نتعلّم الكلام، أول ما نتعلّمه، من أهلنا وممّن هم حولنا في الدائرة الأقرب من الأقارب والجيران، نُقلّدهم، ويصححون لنا إلى أن ننطق نطقهم، ثم تأتي المدرسة، والشارع، والحياة "تلك التي انقسمت اليوم إلى واقعية وأخرى افتراضية"،..
ـ شيئًا فشيئًا، نتعلّم ونتطوّر نطقًا ومنطقًا!. كلاهما، النطق والمنطق، حصاد كل هذا الزرع الذي أنبتوه فينا، مضافًا إليه طبيعة البذرة الخاصة التي أوجدها الخالق فينا. النتيجة هي محصلة كل ما قاموا به تجاهنا ومعنا، كل ما جربناه واختبرناه وعايشناه وأحببناه "أو كرهناه"، زائد: بصمتنا الخاصة صوتًا ومنطقًا وطريقة فك وتركيب عقلية وقلبية تدرّجتْ معنا وتدرّجنا من خلالها، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه، حتى لو بدا ذلك الوصول، محمّلًا بما يعترض على منطقهم ويخالف قناعاتهم!.
ـ مثل هذا الخلاف والاختلاف، هو الذي لا يُفسد للودّ قضيةً حقًّا وفعلًا!. خاصةً من الأحبة المقرّبين صدقًا، وبالأخص من عقلائهم، ذلك أنهم يدرون ويُقرّون بأن أحد أكبر مواضع فشلهم، يكمن فيما لو رأونا، ووجدونا، آخر المطاف نسخةً كربونيةً منهم، أو من أحدهم!.
ـ قد يغتاظون منّا بعض الشيء. وقد تزعجهم مناقشتنا لآرائهم بعض الشيء، وقد يحز في أنفسهم بعض الشيء ألا تكون أفكارهم مُسَلّمات مُطْلَقة بالنسبة لنا، لكنهم وفي دواخلهم العميقة، يكونون سعداء بكوننا حضرنا إلى هذه الحياة على شكل بشر وليس ببغاوات!.
ـ فلان لديه أسلوب، هذه لا تكفي!. في الغالب: كل إنسان لديه أسلوب!. حتى من نحكم عليه بعكس ذلك، إنما أسلوبه أن يكون بلا أسلوب!. إذن، فالمهم أن يكون لدى كل واحدٍ منّا أسلوبه "الخاص"، ثمّ أن يكون هذا الأسلوب الخاص جيّدًا وممتعًا!. هو إن كان كذلك كان قادرًا على الاحتواء، على احتوائنا حتى لو صعب علينا احتواؤه!.
ـ مسألة الإبداع الأدبي والفنّي، وحتى العلمي، كامنة في الأسلوب، الذي هو طريقة في التأمّل والتفكير والكتابة والعمل، ولأنه بهذه الأهمية القصوى، حيث يقترب من كونه "أنا" كل واحدٍ منّا، "أناه" الأصدق بكثير من اسمه!، فإن تفسير الأسلوب وتحديد دروبه وتعليمه تظل مسائل صعبة وتكاد تكون مستحيلة، بالرغم من كل نجاحات النقد الباهرة في هذا المجال!.
ـ كيف تَكَوّن أسلوبك، ومتى بالضبط؟!، هذه مسألة عويصة ومعقّدة الفهم، كل ما يمكن لنا معرفته، والإحساس به والإشارة إليه والشهادة عليه، هو أنّ لديك أسلوبًا ما، وأن نتحدّث بأساليبنا عن أسلوبك!، وما إذا كان خاصًّا وفريدًا وممتعًا أو غير ذلك!.
ـ لكن،.. اقترب قليلًا، بيني وبينك "واكتم السرّ!"، ظنّي: بإمكان الواحد منّا معرفة ما إذا كان لديه أسلوب متفرّد أم لا!. كم عدد ليالي الحكايات؟!، ألف ليلة وليلة؟!، حسنًا، لنعتمد ذلك!. أسلوبك هو الليلة المضافة، بك يكون عدد الحكايات ألف ليلة وليلتان!. فإن لم يكن كذلك فهو أن تحكي لنا حكاية واحدة من حكايات الألف ليلة وليلة، الحكاية نفسها، فنسمعها منك وكأنها لم تمرّ بنا من قبل!. تخيّل عَظَمة من يقدر على العملين معًا!.