|


فهد عافت
القراءة البوفارية!
2020-02-02
- بطرافة، لا تخلو من فطنة، بل ومن فطنة نابغة، راح “دانيال بِناك” يدوّن حقوق القارئ. سجّلها في عشر نقاط، أظن أنني حدثتكم مرّة عنها، لكن لطرافتها نعيد قراءة تلك الحقوق، بعد ذلك أزيد عليها، فالباب مفتوح!. وبينهما نستفيض في شرح أحد هذه الحقوق، لالتباس أمره!.
- حقوق القارئ العشرة المدوّنة في كتاب “متعة القراءة”، وهو بالمناسبة كتاب صغير وفي منتهى اللطف والرشاقة:
- الحق في عدم القراءة!. الحق في القفز عن الصفحات!. الحق في عدم إنهاء كتاب!. الحق في إعادة القراءة!. الحق في قراءة أي شيء!. الحق في البوفاريّة!. الحق في القراءة في أي مكان!. الحق في أن نقطف من هنا وهناك!. الحق في القراءة بصوت عالٍ!. الحق في أن نصمت!.
- والآن يمكنني إضافة بعض الحقوق، رغم أن كسر الرقم عشرة يُخلّ بإمكانيّة حفظها وترديدها!.
- الحق في النسيان!. الحق في الكتابة على الصفحات التي نقرأ!.
- لكن ما هي القراءة البوفارية؟!.
- مدام بوفاري، هي واحدة من أشهر الشخصيات الروائية على الإطلاق، ومن أكثرها خلودًا، فإذا ما كان التاريخ، وسيظل، مشغولًا حدّ الهوَس بكليوباترا، والفن التشكيلي مشغولًا، وسيظل، بالموناليزا، فإن الفن الروائي مشغول، وسيظل، بمدام بوفاري، الشخصية التي ابتكرها جوستاف فلوبير وعَنون بها عمله الروائي المفصلي، فالرواية قبل مدام بوفاري شيء، وبعد مدام بوفاري شيء آخر تمامًا!.
- ونسبةً إلى مدام بوفاري، صِيغ المصطلح: القراءة البوفارية!. دخلتْ مدام بوفاري عالم القراءة من الباب السلبي!. كانت قراءتها مَرَضيّة. قراءة هروب!. بمزاج انفتح على الفن لأنه حبيس العاطفة!. قرأتْ لبلزاك وجورج صاند وهي تنشد إشباعًا وهميًّا لمطامعها الشخصيّة!.
- كانت تبحث عن العاطفة أكثر ممّا تبحث عن المنظر!. مرارة حياتها أوهمتها بأن العسل لا يمكنه إلا أن يكون في الخيال، أو في البعيد بحيث لا يمكن الوصول إليه. ظلّت ترى أنه لِزَامًا، الرحيل إلى البلاد ذات الأسماء الرّنّانة، لتتذوّق ذلك العسل!.
- خُيِّل لها أن السعادة شجرة لا تنبت إلا في تُربة معيّنة، وأنّ هذه التربة ليست ممّا تطأه قدمها في عالم الواقع والحقيقة!.
- لو كانت مدام بوفاري بيننا اليوم، لكانت واحدة من أشهر نجوم الشبكة العنكبوتية وعوالم التواصل الافتراضي!. وكل من ينغمس بكليّته في هذه العوالم، إنما يحمل في داخله جينة بوفاريّة بشكل أو بآخر!.
- ويبدو أنه من علامات هذه الجينة، ترصّد الآراء النافرة والغريبة وتبنّيها، وانتقاد كل ما يرضاه الناس، والاعتراض عليه لمجرّد الاعتراض!. كانت مدام بوفاري مثارة الأعصاب طيلة الوقت، وتحبّذ أمورًا لا تستقيم مع الأخلاق!.