|


سعد الدوسري
هيئات لثقافة العمل
2020-02-05
بعض الشباب لن يهمهم ما سيؤول إليه القرار الصادر من مجلس الوزراء، أول من أمس، بإنشاء 11 هيئة تابعة لوزارة الثقافة، كونهم لا يهتمون بالأدب أو المسرح أو المتاحف. لكنهم حين يفكرون بالأمر، فسوف يجدونه قرارًا ذا رؤية بعيدة المدى، فمن سيشغّل المكتبات، ومن سيعمل في المتاحف، ومن سيكتب ويترجم، ومن سيجهز المسارح ويمثل على خشبتها، ومن سيصنع الأفلام والمقطوعات الموسيقية والأزياء والتصاميم والصور وأطباق الطعام، ومن سيحفظ التراث؟!
شبابنا من الجنسين هم من سيفعل ذلك. ستكون هناك فرص عمل واسعة لتشغيل تلك الهيئات الجديدة، وستكون مخرجاتها ذات جدوى كبيرة وشاملة لكل أفراد المجتمع، كل حسب ميوله واهتماماته.
لقد كان الأدباء والمسرحيون وصناع الأفلام والموسيقيون والمصورون، إلى وقت قريب، يعملون في فضاء مشتت الأطراف، يجتهدون بشكل فردي لإثبات ذواتهم ولتمثيل بلادهم. لم تكن لهم مظلة ولا ناطقًا رسميًا. ومع ذلك، حققوا منجزات لافتة، وحصلوا على جوائز عربية وعالمية. كان هناك اعتقاد لدى المؤسسة الرسمية، بأن الثقافة والفنون جزءٌ وليست كل، لذلك ارتبطت منذ الستينات والسبعينات بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، وبوزارة الإعلام، وبوزارة المعارف. ثم تطور الأمر شيئًا فشيئًا، لكنه ظل في سياق التبعية، إلى أن صدر القرار بإنشاء وزارة الثقافة في 2 يونيو 2018، وصار واضحًا لدى الجميع، إن المسألة بدأت تأخذ أخيرًا شكل الاستقلالية، وأن من الضروري أن تكون هناك جهود حثيثة لجمع أجزاء الثقافة والفكر والفن المتناثرة في القبائل الحكومية، تحت المظلة الجديدة. وأنه سيكون للمثقف والفنان، بعد تلك العقود من الشتات، وطن مؤسساتي، يعيش فيه وينتمي لمدائنه وشواطئه وحقوله.
إن هيئات الثقافة الجديدة، وبتوزيعاتها وتنويعاتها المحكمة، ستقود حتمًا إلى مساحة من الوعي والمتعة والبهجة والمعرفة، ليس للمهتمين والعاملين بالشأن الثقافي والفكري والتراثي والفني فحسب، بل حتى على المواطنين والمقيمين، أياً كانت اهتماماتهم. فالذي لا يهتم بالمسرح، قد يهتم بفنون الطهي. ومن لا يعبأ بالمتاحف، قد يتابع الأفلام. ومن لا يلتفت للتراث، قد تشده الأزياء. الثقافة والفنون هي الحياة. وما التسميات إلا واجهة عامة، ندخل من خلالها إلى عوالم مدهشة، تملأنا بكنوز من المعارف التي تثرينا وتميزنا عن غيرنا من أولئك الذين لم يحظوا بمثل هذه الأبواب الثقافية المشرعة في كل اتجاه.