|


فهد عافت
«الضيف».. فيلم أم محاضرة؟!
2020-03-04
على تطبيق “شاهد” تابعت فيلم الضيف. لا أقول شاهدت الفيلم وإنما تابعته، لأن هذا ما حصل بالفعل!. لم يكن فيلمًا سينمائيًّا للمشاهدة!. وبالتالي فإنه لم يكن فيلمًا سينمائيًّا أصلًا!.
ـ السينما للمخرج وليست للمؤلّف!. وعلى من يريد سيطرة نصّه الكتابي الاتجاه إلى المسرح، أو التلفزيون، فالتلفزيون هجين وعجين!، يقبل كافة الأشكال!.
ـ مشكلة إبراهيم عيسى أنه كاتب صحفي، هذه هي موهبته الحقيقية، وبغض النظر عن موافقة أو معارضة ما يطرح من آراء، إلا أنه موهوب حقيقي، ووريث شرعي لعمالقة كتّاب الصحافة المصريّة. لديه قدرة فائقة على الاسترسال بعذوبة، وهو في عز جدّيّته يكون ساخرًا بحزن طويل التّيلة!.
ـ وللرجل ما يقوله، وما يدافع عنه، وما يحاول حمايته بجسارة لا يُنكرها عليه غير جاحد، أو غير من لم يتابع مسيرته الإعلامية، ورقيًّا ومن خلال برامجه التلفزيونية، في العشرين سنة الأخيرة!. وهذا رأيي: نعم، لدى إبراهيم عيسى دائمًا أقوالًا أخرى!.
ـ وأعرف أنه محبّ عظيم للسينما. سبق له ككاتب وكإعلامي أن تناول بحرفنة ودهاء مجموعة من الأفلام السينمائية العربية بالنقد والتحليل، وفي كل ذلك كان مقنعًا، بل وألمعيًّا!. لكن هذا لا يكفي، لأن يكون الواحد منّا سينمائيًا!.
ـ يحيى العلمي كان مخرجًا تلفزيونيًا عبقريًّا، لكنه كان أقل من عادي في تجاربه السينمائية!. أسامة أنور عكاشة كان السيّد المبجّل للدراما التلفزيونية، تلك التي كانت تسمح له بمساحات كافية من الهذر في الحوار!. وحين ظنّ أن ذلك يجوز سينمائيًا، كتب للسينما، ورغم أن عاطف الطّيّب بجلالة قدره حاول مساندة النص إخراجيًا، إلا أن سلطة النص هدمت البيت على رأس الجميع!.
ـ وحيد حامد، هو الوحيد “على اسمه!”، الذي يمكن اعتباره ناجحًا في عملية المزج بين الحوار والصورة، يكتب، ويترك للمخرج مساحة واسعة للتصرّف السينمائي المطلوب!. وبالرغم من ذلك فإنه لا مقارنة بينه وبين “بشير الديك” مثلًا، يا لهذا الأخير كم هو بارع في فهم الكتابة السينمائية!.
ـ كل من سبق ذكرهم أهون من إبراهيم عيسى!. لأنه ببساطة جاء للسينما، فيما يبدو، فقط لإتمام مشروعه الصحفي!. ذلك المشروع القائم على الرأي لا على الخبر!. فإن استخدم الخبر فلتأكيد رأيه، الذي تؤكد هذه المقالة أنها ليست بصدد مناقشته الآن على الأقل!.
ـ قبل فترة، قدّم إبراهيم عيسى عملًا سينمائيًّا، مقبولًا إلى حد كبير. كان ذلك في فيلم “مولانا”. لكن من يمكنه إغفال دور “مجدي أحمد علي” في ذلك الفيلم؟! هنا نحن نتعامل مع مخرج متميّز، وأتذكر كم كانت الآمال معقودة عليه بعد أول أفلامه “يا دنيا يا غرامي” وهو الأجمل له والذي لم يتجاوزه “مجدي أحمد علي” إلى اليوم!. لكنه ظل يقدم سينما طيّبة ومعقولة!. أن يكون “مجدي أحمد علي” مخرجًا لفيلم “مولانا” ومشاركًا أساسيًا في كتابة السيناريو، فإن هذا يكفي لإنقاذ العمل من الرأي الكتابي، بشكل أو بآخر!.
ـ لكننا مع فيلم “الضيف” كنّا أمام سلطة كتابية بحتة!. أمام محاضرة فكريّة عن الحريّة والتشدد!. ساعة كاملة ولا شيء غير هذا، ثم تتحرك الدراما نحو حدث يغيّر الرتم قليلًا، وينفض الملل، ليدخلنا في ملل آخر!. وتنتهي المحاضرة!.
ـ محاضرة بمعنى الكلمة، فما قاله “خالد الصاوي” بطل العمل، هو تجميع يكاد يكون حرفيًا لكل ما كان يقوله إبراهيم عيسى في برامجه التلفزيونية وكتاباته الصحفية!.
ـ نتحدث عن الآخرين في العمل، عن المخرج والممثلين. بالنسبة للممثّلين، وعلى قلّة عددهم، إلا أنهم كانوا جيدين إلى حد كبير. صحيح أن خالد الصاوي لم يعد قادرًا على التخلّص من تلفزيونيّته في الأداء!، لكنه ممثل قدير!. أحمد مالك كان مناسبًا للدوّر لولا أنني، وفي هذا ظلم لكن هذا ما حدث، رحت أتخيّل تعابير “فتحي عبدالوهاب” وما كان يمكن له تفجيره من انفعالات عبقرية فيما لو كان أصغر عمرًا بقليل وأُسند له هذا الدور!. الرّقة والشفافية والعذوبة والبساطة تجمّعت كلها في حضن شيرين رضا!.
ـ بقي المخرج؟! هادي الباجوري مخرج ممتاز، وحساسيته السينمائية عالية، وضح ذلك جيدًا في أفلامه السابقة القليلة، خاصةً في “واحد صحيح” و”هيبتا”، لكنه في هذا العمل، حُبِسَ حبسةً لا تتمناها لعدوّك!، ذبحه دويّ النص المشغول على شكل كتابة حوارية بهدف تقديم محاضرة!.
ـ أخطاء ساذجة في العمل: إخفاء المسدس في اللوحة المهداة كان عبثيًا، فقد كان من الممكن جدًا أن يحتفظ صاحب البيت باللوحة في مكان لا يصله الإرهابي!. ثم إن اسم الشيخ السعودي الذي تردد كثيرًا هو ابن عثيمين، وليس ابن عثيميّين!.
ـ السينما شيء، وساقية الصاوي شيء آخر!.