-المعرفة للنثر، الإحساس للشعر!.
-من يعرف يكتب نثرًا!. ولسوف يجد في اللغة، وفي آليّات النثر، ما يساعده!. على قدر موهبته، وعلى قدر صقلها، يكون حجم المساعدة!.
-من لا يعرف، لكنه يشعر ويحس بالشيء، يقول شعرًا!. ولسوف يجد في الكلمات، وفي آليّات الشعر، ما يساعده!. على قدر موهبته، وصقلها، يكون زخم المساعدة!.
-الكتابة أساسًا للنثر، أمّا الشعر فهو للحنجرة!. جسد الناثر ليس جزءًا من نصّه، لكن جسد الشاعر جزء من نصّه!. وقد حاولتْ الكتابة إخفاء هذا الجزء، وأظنها فشلتْ!. أو على الأقل، فإن نجاحها لم يكن باهرًا!.
-نحن حين نقرأ نثرًا، لا نتلبّس بالضرورة مسافة الهواء الفاصل بين كلمة وأخرى كما هي عند الناثر في الأصل!. على “هوانا” نتصرّف!. بمساعدة لا يُنكَر فضلها من علامات الترقيم، كالفاصلة والنقطة والتقويس وعلامة التعجب!. وكذلك بمساعدة من تقنيّات الطباعة، مثل حجم الخط، ودرجات غلظته ونحافته، وميلان الحروف، والفراغات البيضاء في الصفحة بين مقطع وآخر!.
-في الشعر، لا نحتاج لكل ذلك. على الأقل فإننا لا نحتاجه للدرجة التي يكون فيها حالنا مع النثر!. نتلبّس حالة الشاعر “الجسديّة”!. ومن خلال إيقاع الكلمات، نستعيد حنجرته!. وباستعادتنا لحنجرته نستعيد أنفاسه!. نقرأ الكلمات بالمسافة الزمنيّة التي كان يقول فيها ما يقول!.
-يكون بيننا وبين الشاعر مسافة ألف وخمسمئة عام، وأكثر، ومع ذلك نعرف أنه توقّف لأخذ نَفَسٍ، عندما وصل لقول “ثهمدِ”!. حتى مدى الكسرة على الدّال يمكن حسابه!. وحين يقول “تلوحُ” نكون قلناها في نفس اللحظة التي قالها فيها!. وحين يصل إلى “.. اليدِ” نكون قد صافحناها في اللحظة ذاتها، لحظة القول الأول!.
-يكفينا من قصيدة “بديوي الوقداني” سماع الشطر الأول من البيت الأول: “أيامنا والليالي كم نعاتبها”، لنستمر بذات النّفَس!. وفيما لو كُتِب الشطر الثاني: “ شبنا وعفنا بعض الأحوال”، فإننا سنعرف أن هناك خطأ ما في الكتابة لا في القول!. ندري أن هناك كلمة ناقصة بعد “شبنا”، ونعرف حجم الفراغ!. يمكن لنا تخمينه: “وراحتْ، وغابتْ، و زالتْ، وشابتْ”!. نقع إذن على “وشابتْ” حتى لو حذفتها الطباعة!. نعرف أيضًا أنّ لا همزة على الألف في كلمة “الأحوال”!، تُكتب أو لا تُكتب، نهملها لأن نَفَس الشاعر لم يتوقف أبدًا!. كذلك نعرف أن هذه “الاحوال” متبوعة بكسرة طويلة لها مسافة الياء تمامًا: “الاحوالي”!. الطبع هنا لا الطباعة يتسيّد!.
-وحين نقرأ لسيّد حجاب، مثلًا، شعرًا باللهجة المصريّة، فنحن لا نقدر على الدخول في روح هذا الشعر، ما لم نتلبّس حنجرة الشاعر!. الحديث هنا ليس عن طبيعة الصوت، لكن عن معرفتنا للمدى الزمني بين الكلمة والكلمة، بل وبين الحرف والحرف في الكلمة الواحدة!. يلزمنا في ذلك أولًا، معرفة بلهجة الشاعر، معرفة طيّبة وكافية وليس بالضرورة معرفة كليّة!. من خلال هذه المعرفة يمكن لنا تهجية كلمة ما، لا نعرفها من قبل، نتهجّاها كما هي، حتى دون معرفتنا لمعناها!. المعنى في الشعر يُحَسّ!.
-والذين جرّبوا كتابة الشعر والنثر معًا، يعرفون جيدًا، أنّ حجم قلقهم وارتباكهم، واستثارة أعصابهم، يكون أكبر بكثير، حين يُرسلون نصًّا شعريًّا للطباعة!. ينتظرون النشر وعروقهم تكاد تكون فوق جلودهم، مخافة الخطأ المطبعي!. يذبحهم دويّ الإرهاق النفسي هذا، حتى أنهم يشعرون بفضل يستوجب شكر كل من ساهم في خروج النص الشعري من مستشفى الطباعة سليمًا معافى كما هو في الأصل!. بينما يمكنهم التساهل، قليلًا أو كثيرًا، بحسب الحالة، مع هفوات الطباعة في نثرهم!.
-ذلك لأن الشعراء يُرسلون إحساسهم، الذي لا يمكن فصله عن أنفاسهم!. بينما يُرسل الناثر معرفته وفكره ورأيه، مسلّمًا راية الإحساس للقارئ!.
-نعم، قد يكتب الناثر المبدع، نصّه بطريقة غير متسلسلة. قد يبدأ بسطر، ويعرف أنه سيكون السطر الأخير، أو فقرة في المنتصف ويقرر تصعيدها للبدء بها، وأشياء من هذا النوع، مثله مثل الشاعر تمامًا!. لكنه حين يقرر الكتابة الأخيرة، النهائية، حين يترك القلم ويتوجّه إلى الأزرار، يشعر بحاجة ماسّة لتعديلات جديدة، ولحذف أو إضافة، لتغييرات بسيطة وربمّا جذريّة!. كأنه يكتب من جديد!.
-الشاعر يشخبط على أوراقه كيفما يحلو له، يرفع صوته مع كل مقطع ليستشعر اللذّة فيما قال!. وليتأكّد من كثافة هذه اللذّة!. الكتابة الأخيرة بالنسبة له أقرب ما تكون إلى النسخ!. ينسخ صوته!.
-من يعرف يكتب نثرًا!. ولسوف يجد في اللغة، وفي آليّات النثر، ما يساعده!. على قدر موهبته، وعلى قدر صقلها، يكون حجم المساعدة!.
-من لا يعرف، لكنه يشعر ويحس بالشيء، يقول شعرًا!. ولسوف يجد في الكلمات، وفي آليّات الشعر، ما يساعده!. على قدر موهبته، وصقلها، يكون زخم المساعدة!.
-الكتابة أساسًا للنثر، أمّا الشعر فهو للحنجرة!. جسد الناثر ليس جزءًا من نصّه، لكن جسد الشاعر جزء من نصّه!. وقد حاولتْ الكتابة إخفاء هذا الجزء، وأظنها فشلتْ!. أو على الأقل، فإن نجاحها لم يكن باهرًا!.
-نحن حين نقرأ نثرًا، لا نتلبّس بالضرورة مسافة الهواء الفاصل بين كلمة وأخرى كما هي عند الناثر في الأصل!. على “هوانا” نتصرّف!. بمساعدة لا يُنكَر فضلها من علامات الترقيم، كالفاصلة والنقطة والتقويس وعلامة التعجب!. وكذلك بمساعدة من تقنيّات الطباعة، مثل حجم الخط، ودرجات غلظته ونحافته، وميلان الحروف، والفراغات البيضاء في الصفحة بين مقطع وآخر!.
-في الشعر، لا نحتاج لكل ذلك. على الأقل فإننا لا نحتاجه للدرجة التي يكون فيها حالنا مع النثر!. نتلبّس حالة الشاعر “الجسديّة”!. ومن خلال إيقاع الكلمات، نستعيد حنجرته!. وباستعادتنا لحنجرته نستعيد أنفاسه!. نقرأ الكلمات بالمسافة الزمنيّة التي كان يقول فيها ما يقول!.
-يكون بيننا وبين الشاعر مسافة ألف وخمسمئة عام، وأكثر، ومع ذلك نعرف أنه توقّف لأخذ نَفَسٍ، عندما وصل لقول “ثهمدِ”!. حتى مدى الكسرة على الدّال يمكن حسابه!. وحين يقول “تلوحُ” نكون قلناها في نفس اللحظة التي قالها فيها!. وحين يصل إلى “.. اليدِ” نكون قد صافحناها في اللحظة ذاتها، لحظة القول الأول!.
-يكفينا من قصيدة “بديوي الوقداني” سماع الشطر الأول من البيت الأول: “أيامنا والليالي كم نعاتبها”، لنستمر بذات النّفَس!. وفيما لو كُتِب الشطر الثاني: “ شبنا وعفنا بعض الأحوال”، فإننا سنعرف أن هناك خطأ ما في الكتابة لا في القول!. ندري أن هناك كلمة ناقصة بعد “شبنا”، ونعرف حجم الفراغ!. يمكن لنا تخمينه: “وراحتْ، وغابتْ، و زالتْ، وشابتْ”!. نقع إذن على “وشابتْ” حتى لو حذفتها الطباعة!. نعرف أيضًا أنّ لا همزة على الألف في كلمة “الأحوال”!، تُكتب أو لا تُكتب، نهملها لأن نَفَس الشاعر لم يتوقف أبدًا!. كذلك نعرف أن هذه “الاحوال” متبوعة بكسرة طويلة لها مسافة الياء تمامًا: “الاحوالي”!. الطبع هنا لا الطباعة يتسيّد!.
-وحين نقرأ لسيّد حجاب، مثلًا، شعرًا باللهجة المصريّة، فنحن لا نقدر على الدخول في روح هذا الشعر، ما لم نتلبّس حنجرة الشاعر!. الحديث هنا ليس عن طبيعة الصوت، لكن عن معرفتنا للمدى الزمني بين الكلمة والكلمة، بل وبين الحرف والحرف في الكلمة الواحدة!. يلزمنا في ذلك أولًا، معرفة بلهجة الشاعر، معرفة طيّبة وكافية وليس بالضرورة معرفة كليّة!. من خلال هذه المعرفة يمكن لنا تهجية كلمة ما، لا نعرفها من قبل، نتهجّاها كما هي، حتى دون معرفتنا لمعناها!. المعنى في الشعر يُحَسّ!.
-والذين جرّبوا كتابة الشعر والنثر معًا، يعرفون جيدًا، أنّ حجم قلقهم وارتباكهم، واستثارة أعصابهم، يكون أكبر بكثير، حين يُرسلون نصًّا شعريًّا للطباعة!. ينتظرون النشر وعروقهم تكاد تكون فوق جلودهم، مخافة الخطأ المطبعي!. يذبحهم دويّ الإرهاق النفسي هذا، حتى أنهم يشعرون بفضل يستوجب شكر كل من ساهم في خروج النص الشعري من مستشفى الطباعة سليمًا معافى كما هو في الأصل!. بينما يمكنهم التساهل، قليلًا أو كثيرًا، بحسب الحالة، مع هفوات الطباعة في نثرهم!.
-ذلك لأن الشعراء يُرسلون إحساسهم، الذي لا يمكن فصله عن أنفاسهم!. بينما يُرسل الناثر معرفته وفكره ورأيه، مسلّمًا راية الإحساس للقارئ!.
-نعم، قد يكتب الناثر المبدع، نصّه بطريقة غير متسلسلة. قد يبدأ بسطر، ويعرف أنه سيكون السطر الأخير، أو فقرة في المنتصف ويقرر تصعيدها للبدء بها، وأشياء من هذا النوع، مثله مثل الشاعر تمامًا!. لكنه حين يقرر الكتابة الأخيرة، النهائية، حين يترك القلم ويتوجّه إلى الأزرار، يشعر بحاجة ماسّة لتعديلات جديدة، ولحذف أو إضافة، لتغييرات بسيطة وربمّا جذريّة!. كأنه يكتب من جديد!.
-الشاعر يشخبط على أوراقه كيفما يحلو له، يرفع صوته مع كل مقطع ليستشعر اللذّة فيما قال!. وليتأكّد من كثافة هذه اللذّة!. الكتابة الأخيرة بالنسبة له أقرب ما تكون إلى النسخ!. ينسخ صوته!.