|


فهد عافت
الحكاية فيها «إنّه»!
2020-03-17
ـ قبل يومين، لمّحتُ إلى أن حكاية هذا الوباء الكوروني، وقانا الله وإياكم والعالم أجمع شرّه، قد يكون فيها “إنّه”!. وتماشيًا مع مقترحي الذي قدّمته أمس، وبهدف تسليتكم، أحكي لكم قصة هذه المقولة المنتشرة على كل الألسن: “الحكاية فيها إنّه”!. ويا رب تعجبكم!.
ـ يُحكى أنه وفي ليلةٍ من ليالي مدينة حلب، هرب “علي بن منقذ” متخفيًا، فقد أحس، وهو المشهود له بالفطنة، بأن حاكم المدينة “ابن مرداس” أضمر له شرًّا، وخبثت نيّته تجاهه!.
ـ في الصباح اكتشف ابن مرداس هروب ابن منقذ، فما كان منه إلا أن طلب من كاتب ديوانه خط رسالة لعليّ بن منقذ، وفيها يتودّد له بالمحبة ويتعهّد فيها بالأمن والإحسان!.
ـ وبالفعل كتب الكاتب ما أُمِر به على أتمّ وجه، حتى ظن الحاكم أن الحيلة ستنطلي لا محالة على ابن منقذ، وأنه سيقع في الفخ!. خاصةً أنه يعرف أن علاقة ود وثقة وصحبة عمر طويلة وجميلة تجمع بين كاتبه وابن منقذ!. ولعلّه اختار هذا الكاتب بالذّات من بين جميع كتّابه لاستكمال إجراءات الخديعة، والظفر برأس ابن منقذ!.
ـ شيء واحد لم ينتبه له ابن مرداس في أمر الرسالة، وهو أن كاتبه قد ختمها بعبارة : “إنّ شاء الله تعالى”، بوضع الشدّة على النون بدلًا من تسكينها!. وقد كان هذا كل ما بوسع الكاتب عمله آملًا ألا تخيب ثقته بفطنة صاحبه وأن يفهم الإشارة، ويحلّ اللغز!.
ـ قرأ ابن منقذ الرسالة واستوقفه الأمر، فليس من عادة صاحبه الكاتب ولا من طبيعته أن يخطئ في الكتابة!. وبسبب من هذه الـ “إنّ” عرف ابن منقذ حقيقة الرسالة، وفكّ لغزها، قائلًا لنفسه: الحكاية فيها “إنّ”!. ولا أظن صاحبي قصد شيئًا آخر غير تذكيري بآية: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ”!
ـ طوى الرسالة وكتب ردًّا فيه من اللطف ما فيه ومن الشكر المُضاعف ما يفيه!. زركشها بالامتنان وطيّبها بالإطراء، قاصدًا من ذلك إبعاد أي تهمة تقصير عن صاحبه الكاتب!. كلمات ما إن يقرأها “محمود بن مرداس” حتى يطمئن إلى نجاح حيلته فلا يُلاحق صيده الذي وقع في الفخّ!، ولسوف يكافئ كاتبه على حسن تدبيره أو لعلّه يُرقّيه ويعلي منزلته وشأنه!.
ـ بعد كل هذا السيل من المُطمئِنات، ختم عليّ بن منقذ رسالته بـ: “إنّا الخادم المقرّ بالإنعام” مؤكدًا على كسر الهمزة وتشديد النون في “إنّا”!.
ـ وصلت الرسالة. فضّها الكاتب. وقرأها على سيّده “محمود بن مرداس”، ومع كل كلمة فيها، كان حاكم حلب غير قادر على إخفاء فرحه وزهوه!. في حين كان كاتبه غير قادر على إخفاء حسرته وخيبة أمله في فطنة صاحبه!. إلى أن وصل الكاتب في قراءته إلى السطر الأخير!. لحظتها فقط طار كلاهما فرحًا: حاكم حلب وكاتبه!.
ـ طار ابن مرداس فرحًا وزهوًا وخيلاءً، فكلّ ما في الرسالة يؤكّد نجاح تدابير المكيدة!. وطار الكاتب، صديق ابن منقذ، فرحًا، لأنه تأكّد من حسن ظنّه بفطنة صاحبه، ومثلما فكّ ابن منقذ شفرة “إنّ” بآية: “إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ”، فكّ الكاتب شفرة “إنّا” بآية: “إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا”!.
ـ من يومها يا أحبة، صار يُقال عن، وعلى، كل حكاية يُحسّ فيها التشفير والإلغاز: الحكاية فيها “إنّ”!، أو الحكاية فيها “إنّا”، ثم تبسّطت على ألسن العامّة فصارت: “إنّه”!.