|


رياض المسلم
«وينك فيه؟» اختفت
2020-03-30
بعض العبارات تلتصق بنا عنوة فلا نستطيع إبعادها، اعتادت مسامعنا على ترديدها، وألسنتنا على نطقها رغم أنها “هامشية”، فالقائل والمستمع يدركان ذلك ولكن يعودان لذكرها، هي جمل تقال فقط لسد فراغ الهواء بالكلام، وتعزيز مكاسب شركات الاتصالات..
صديق عزيز عليّ عندما يهاتفني أول سؤال يقوله قبل إلقاء التحية، “وينك فيه؟!”.. أجيبه بموقعي، فيبدأ بالحديث أو الطلب الذي لا يمت بعلاقة لا من قريب أو بعيد عن مكاني، فهل السؤال عن أيهما أفضل الكابتشينو أو البلاك كافي يحتاج إلى معرفة موقعي..
صديقي نفسه، يسأل هذه المرة عن طريق الواتساب، “وينك فيه؟”، أعيد وأبلغه بمكاني، فتصلني رسالة منه: “وش رايك اشتري مرسيدس أو أودي، وكم سعرها تقريبًا”.. فأرسلت له موقع معارض النسيم للسيارات، هذا هو الموقع الذي يفترض أن يسأل عنه وليس مكاني..
في العمل، اتصال خارج وقت الدوام الرسمي، يسألني زميلي الموظف، “وينك فيه؟” أخبرته بموقعي، وكنت أعتقد بأنه يريدني أن أعود أو شيء من هذا القبيل كون سؤاله مرتبطًا بالمكان، ولكنه لم يكن بعيدًا عن صديقي، فقال: “لا تنسى عندنا اجتماع بكرة”..
زميل دراسة لم أسمع صوته منذ زمن بعيد، فإذا به يتواصل معي عن طريق “السناب شات”، وبعد إلقاء التحية وقبل أن نستعيد ذكريات الفصل والمشاغبة قبل ما يقارب من 20 عامًا في الأيام الرمادية، يداهمني بسؤال: “وينك فيه؟”.. أجبته بأني في الفصل الدراسي أنتظر وقت الفسحة، أستغرب من إجابتي وقال: “تستهبل”، فطلبت منه لماذا يريد معرفة موقعي، فلم يجب ودخل في الموضوع وقال: “في ذمتك مو الهلال أكثر فريق استفاد من تقنية الفار هذا الموسم؟!”.. رديت عليه: “أطلب موقع الفار واسأله عنده الإجابة”..
أهلي يتصلون بي هاتفيًّا: ويقولون: “وينك فيه؟” هنا الإجابة تدخل في نطاق الجدية، وقبل أن أجيب كوني أطالع يمنة ويسرة لأحدد موقعي تجنبًا للزيادة أو النقص كوني في السيارة، يباغتونني بـ”لا تنس تجيب معك خبز ولبن وزبادي”..
تختلف دائرة العلاقات، والأجناس والأعمار والأزمنة ويبقى سؤال “وينك فيه؟” صامدًا..
ومع أزمة كورونا ورغم مساوئها إلا أنني ارتحت من سؤال “الملاقيف” عن الموقع، فالجميع بات في منازلهم والمكان لم يعد مجهولاً بل معلوم.. ورغم ذلك سألني في مرة صديقي وقت منع التجول وقال: “وينك فيه؟!” فأجبته “مو شغلك”..
لا أعرف لماذا يتقمص الكثير منّا دور “جوجل ماب” وينطق بتلك الجملة.. ما أجمل الاختصار وانتقاء العبارات الفعّالة وعدم تكرار جمل “هامشية”..