|


تركي السهلي
بيانو وغضروف
2020-04-06
الرياضة باتت معزولة وتوقفت عن التناغم مع الجمهور. الجسد هو نقطة الارتكاز والحركة مربوطة بالفضاء الخارجي، لذا غابت تماماً الممارسة الجماهيرية وأطبق "كورونا" على تفاصيل كُرة القدم. وفي هذا الاتجاه كيف يسير الفن؟ كيف لآلة الكمان أن تتفوق على معشوقة الشعوب في زمن العزلة. الموسيقى التي ظننا أنها في قاعة المسرح وجدران الصف صدحت من الشرفات وأعطت أجواءنا معنى والدائرة المنفوخة بالهواء لا مكان لها في الشوارع والميادين والملاعب، وهي التي لم يكن تحدها حدود. الموسيقي أطول في البقاء من الرياضي، فالذهن المشغول بالنغم لا حروب تخفيه ولا أجسام مضادة تلغي وجوده. النوتة المرسومة من قائد فرقة أو حتى من هاوٍ أقوى من كل خطط المدربين والمعزوفة المُعمّرة أبقى في الذاكرة من أهداف اللاعبين. الوتر المنسجم مع وتر لا مجال لمسح تأثيره ولو طالت السنون بينما التمريرة الجميلة الصادرة من قدم لاعب عظيم ستسقط في النسيان. ارتبطت المقطوعات بأسماء مؤلفيها وبالقرون من التاريخ والدقائق التسعون سبقتها وأتى بعدها ملايين الدقائق. من يتذكر ساعة الحكم الآن؟! من يتذكر الآن لمن كانت صافرة البداية في مباراة افتتاحية أو حتى ختامية. الموسيقى وحدها مربوطة بالزمن وهي سلوة البشر.
حينما ضجّت المدن الصاخبة بالمرض سكتت وانطلقت الأصوات ضاحكة تغنّي، ووقفت من بين النوافذ ألحان الحياة. كُرة القدم الآن جزء من تفشي الفيروس لكن الآلات الخشبية والنحاسية تحوّلت إلى أرض ورود والحناجر مصابيح تُبدّد الظلام والغناء إلى بندقية نصر. لم يعد للمفتول دور اليوم فالطلب كل الطلب على مُرهف الحس والمجد لمن يأخذ الناس إلى الأمل لا إلى الركض. لا فراغ في عقل لاعب كرة القدم لكننا لم نعد بحاجته في وقت الجائحة.
أتمنى من كل لاعب مارس اللعبة وطاف الملاعب أن يهز جسده الآن علّه يخرج لنا بنغمة تعيدنا إلى عصر اللياقة والجري الطويل والنفس المتسارع. لا يحتاج العازف سوى استماع وتلويحات وصفاء وابتسامة لا تغيب برغم النكبات، ولا يمكن لرياضي أن يُهدي لنا في زمن اليأس وقتاً يُغني جوارحنا الصامتة. كل ما هو مربوط بوقت لا مناص من إعادته وانتظار اللحظة المحدود بها وجعله بين الثواني والجزء منها. الإنسان الذي يعزف للإنسان هو أرقى الأنواع وأرفعها ذوقاً، والبناء العضلي سيبقى لفترة ثم يتهاوى. العقل أبقى من الجسد لا شك. البيانو وهو موضوع في ردهة قديمة أكثر جمالاً من غضروف.