|


رياض المسلم
«حبة الراس».. وعقوق الوالدين
2020-04-11
شخص عزيز عليّ تربطني به علاقة وطيدة من سكان مدينة الرياض، يحرث الأرض من أجل الحصول على أدوية لوالدته المريضة التي تسكن مؤقتًا في قرية تبعد عن العاصمة 200 كم، وفور تسلمه الأدوية والتصريح الذي يخوله من خروج الرياض فكل الطرق مغلقة لمكافحة وباء كورونا، انطلق مسرعًا وحين وصوله إلى المنزل، طرق الباب ففتحت والدته، ووضع العلاج وسلم من بعيد وغادر، فانهمرت دمعتها، لم تعتد من ابنها ألا يصافحها أو يقبل رأسها ولكنه ملتزم بالإجراءات الوقائية، وأعرف جيدًا كم هو بارّ بوالديه..
في اتصال هاتفي مع صديق وقلت له الموقف من باب السواليف التي تأتي ضمن الفعاليات المنزلية، أجابني فورًا: “صديقك عاق، المفروض يحب راس أمه”، ذكرت له مواقف من برّ صديقي المهندس على والديّه وأنه يخشى من أن يكون هناك فيروس خامد وينشط في السلام لكنه لم يقتنع، وحجته أن تقبيل الرأس واجب..
للأسف لدينا اعتقادات وعادات مع مرور الزمن أصبحت قوانين لا تمسّ ولا تخترق في أعتى الظروف، رغم أنها أمور “شكلية” ولكنها استحوذت على الأهمية والأولوية حتى وإن عقبها أخطاء جمة فيكفي العمل بها وهي بمثابة التصريح لكونك شخصًا صالحًا.. وهنا تساؤل ما الأهم.. تقبيل رأس الوالدين أو الالتزام بالإجراءات الوقائية؟!..
أصحاب تلك المعتقدات لم يدركوا بأن وباء كورونا استبدل المفاهيم، وأن زمنه قلب الدنيا رأسًا على عقب وتخطى رأس الوالدين وما علا منهما، على هؤلاء أن يعوا بأن الموضوع أكبر من عاداتهم..
نعيش ونتعايش مع جائحة عالمية، المطلوب منّا مواجهتها بتنفيذ الاحترازات واتباع الإرشادات الصادرة من الجهات المختصة فهو الأهم في هذه المرحلة، وكل شيء كنا معتادون عليه سابقًا علينا نسيانه ومنحه إجازة لحين تجاوز الوباء..
الأمر لا يقتصر على تقبيل رأس الوالدين بل حتى استقبال الضيوف والمصافحة في أماكن العمل وغيرها من الأمور التي تدخل ضمن نطاق الواجب أو ما جعلناه نحن واجبًا وهو يدخل ضمن التعود، فعلينا أن نوقفه فورًا ولا نجامل أو نخجل من ذلك، لنكن أقوياء ونقول نعم نحن نحبكم ونحترمكم ولكن في هذه المرحلة الحب يتمثل في الابتعاد عن بعضنا بعضًا وعدم المصافحة وتقبيل الرأس وغيرها من العادات “المخترعة”..
الشخص الذي يزعل من تصرفاتك الوقائية أمر يعود إليه لا تهتم به، مهما علا شأنه فأنت ونحن ننفذ مطالب القيادة الرشيدة وحكومتنا الغالية بالبقاء في المنازل واتباع الإجراءات الاحترازية لحين زوال هذه الغمة، وبعدها فلتنم في حضنه ويدك لا تفارق يده.. لا وقت للمجاملة أو المداهنة.. فالضرر على الجميع إذا لم نلتزم..