|


رياض المسلم
سطوح السعوديين.. تاريخ وجغرافيا
2020-04-18
مقطع فيديو خاص يصلني من أحد الأقارب.. جلسة جميلة في الهواء الطلق.. مسطحات خضراء.. ألعاب أطفال.. إضاءات خافتة.. بجانبه خمسة أسياخ كباب يشويها وأبناؤه يركضون في كل مكان.. المنظر أشبه بوجودهم في استراحة أو حديقة..
سألته عن موقعه خصوصًا أنه كان في وقت منع التجول، وقلت له: “كيف تخاطر بنفسك وأبنائك علشان الترفيه ما تعرف أن خطر كورونا، وليش تطلع من البيت؟!”.. قبل أن أكمل سيل الانتقادات والنصائح رد ببرود: “إحنا في السطح”..
منازل عدة لدينا خصوصًا في الطبقة المتوسطة والأدنى من ذلك لا يملكون مساحات خارجية في منازلهم، أقصد في الفناء فيضطرون إلى الخروج من المنزل من أجل الترفيه، على الرغم من وجود سطوح لديهم بمساحات جيدة لكنها لم تستثمر..
السعوديون لهم قصة مع “السطوح” على مدار الأعوام الماضية، شكلت تاريخًا مهمًّا في ذكرياتهم.. لحقت على بعض منها وعشتها.. وبعضهم الآخر قصصهم رويت لي..
في الستينيات الميلادية، كان السطح بمثابة غرف النوم مع انطلاقة البنيان “المسلح”، فكان السكان يلجؤون إليها بحثًا عن الهواء الطلق، واستمرت هذه العادة في السبعينيات قبل أن يعود هؤلاء إلى غرفهم ويحترمون المهندس الذي صممها لهم فلو عرف لما كلف نفسه عناء التفكير في مواقع غرف النوم..
في الثمانينيات تحولت السطوح إلى ما يشبه قاعات الزواج، أذكر حفل زواج إحدى خالاتي حضرته طفلاً في السطح وكان مخصصًا بالطبع للنساء والرجال في المجالس، وكان هناك “كوشة” وعقود لمبات وزل أحمر، السطح تحول إلى قاعة أفراح الشيراتون بقدرة قادر.. الزفة كانت بالنزول من درج السطح على أنغام عتاب.. رحمها الله ورحم العريس..
تلك الصورة الجميلة انتهت بعد أن قام بعضهم من الرجال والمراهقين بالاستيلاء على السطوح وتحويلها إلى حديقة حيوانات، وبالأخص الحمام، وكانت هناك تحديات في تربيتها وتكاثرها، أذكر نصيحة أحدهم لي عندما قال: “حط للحمام مويه وسكر علشان يرجع لك إذا حوّمته “طيّرته”، ويتعود على الطعم”.. عملت بالخلطة ولم يعد.. أتوقع بأنه نسي أن يكمل الخلطة بوضع فتيلة الشاي..
انتهت أيام الحمام في منتصف التسعينيات بسبب خلطة صديقي، وتحول بعدها السطح إلى أرض خصبة لصحون الدش، ومن ثم بات مستودعات للخردة..
الجيل الجديد، يستحقون قبلة عن بعد فهم استثمروا السطوح وجعلوا منها مكان ترفيه جذاب بوضع جلسات خارجية وتصميم رائع، وباتت المكان المفضل في المنازل للكبار والصغار ومتنفسًا مميزًا، ووقت أزمة كورونا نجحوا.. ليس كل ما كان يعمله “الأولون” صح..