|




تركي السهلي
نظرية المؤامرة
2020-05-26
عادت نظرية المؤامرة لِتُسيطر على المؤمنين بها ولِتجد مناخاً هائلاً لرواجها مع ظهور فيروس “ كورونا “ المُستجِد المُنطلِق أولاَ من الصين آواخر العام الميلادي الفائت. والنظرية القائمة على أنها “إيمان بدلاً من دليل” أصبحت مُتداولة على نطاق واسع في العام 1960م.
وتعززت على نحو أكبر هذه الأيام مع انتشار الجائحة في العالم وضربها لاقتصاديات مُتقدّمة ودول صناعية وعسكرية عُظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وروسيا وفرنسا. وبات المُصطلح مُسلّمة عميقة الاعتقاد من قبل رجال كان يُظن بهم التقدّم التقني والعلمي مثل بيل جيتس وغيره في بلدان عديدة ذات منهج رأسمالي وليبرالي حُر.
والنظرية خرجت مع مطلع العام 2020م من المفكرين إلى الساسة وصُنّاع القرار ما يًنذر ببدء “الحرب الباردة” بين الأقطاب وتشكيل نظام دولي قائم على الاستقطاب وحدّية الانقسام وميلاد عالم مُختلف لا يُشبه في ذلك النظام المُتشكّل بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم، ومع التحدي الذي يواجه العلم، وامتحان قدرته على تخليص البشرية، وعجزه إلى الآن عن الوقوف في وجه التضليل، ومع جنوح الأفراد إلى قبول الطروحات المؤمنة بعدم تمكّن العقل من تقديم حقائق لا تقبل التأويل، أصبح الإنسان في وسط متضارب جداً ونظرة لمستقبل غير قائم على معطيات تؤدي إلى أمور ثابتة. والخطر الذي يُحدق بكل ما في الكرة الأرضية من مجتمعات هو انفلات الناس من المُعتاد المقبول إلى تصديق التآمر بينهما فتطغى مظاهر التمرّد على الانضباط، وتنشأ جماعات لا تقف مع عجلة الحياة وإيقاعها المُستَمدّ من تناغم قديم ما ينتج عن كل هذا نمط سلوكي جديد لن يكون بمقدور أحد إيقافه أو تعديل مساره.
وفي خضم ذلك، لن يبقى لجماعة التسليم أي قوّة، ولن ينفعها رضوخها للواقع في أن تُعطي للفرد تغذية إيمانية تُعينه على الخلاص، فالجارف أكبر من كُل نبت له جذور وسيقتلع ما يعترض طريقه. ورغم أن الشعوب تتشابه في بعض سماتها وتتشارك في خاصية التشبّث بالبقاء، إلاّ أنها لا تتراجع عن أخذها لأساليب جديدة تمنحها الاستمرار، وهذا ما سيجعلها تبتكر طُرق إطالة الحياة مهما كانت التدابير، وسيأتي عليها زمن تُعلن فيه رفضها للسائد. إن طغيان نظرية المؤامرة سيدفع بوجود عالم مُشكِك لا طاقة له ولا وقت لديه لانتظار نتائج المختبرات وصراع العلماء وتصادم القوى، وسيصنع عالمه الذي لا يفهم غير لغة كسر المألوف والبُعد عن المنطق.