|


تركي السهلي
أسنان المشط
2020-06-08
حينما يقرر أفراد التحوّل إلى جماعة واحدة لا يمكن أن يلتفّوا حول فكرة هشّة ولا إيمان ضعيف، لأن ذلك سيكون مدعاة لسقوطهم وتفرّقهم. كما أن الجماعات حينما تتشكّل وتُصبِح أُمّة لا تتناثر إلاّ لحظة شيوع البغضاء فيما بينها وارتفاع معاملات الإقصاء والتخوين واستعداء مكوّن على مكوّن آخر.
والكيانات القوّيّة، لا مجال أبداً لوجود مخاوف لديها من تميّز عقل أو طغيان عاطفة، لأنها تمتلك القدرة الدائمة على وزن الأمور وفق ما لديها من اتساع أُفق وإدارة توجّهات. وهي لا تقبل تحت أي ظرف أن تتحول إلى طرف ضد أو مع كي لا تختل مكانتها، ولكي تستمر في عملية الضبط مع فتحها للمسارات كافّة. والعقل ـ أي عقل ـ، لا يفسد إلاّ حينما يتعصّب لفكرة واحدة. فوقوعه تحت أسرها يُعمي بصيرته، ويحُدّ من تعدّدية مشاربه، وتجعله لا يقوى على النفاذ إلى مسلك جديد.
في تشجيع كُرة القدم لدينا، نأخذ المسائل بحدّية عالية معظم الوقت ولا ننكر ذلك، لكننا لم نصل بعد إلى مرحلة التعصّب ذات العنوان المؤدي إلى الفوضى. وطوال تاريخ المسابقات السعودية لم يحدث أن خرجت الأمور عن نطاق التجاذبات. وجميع الحوادث الكروية كانت بعيدة عن الشارع ولم تخرج إليه. وأظن أن الناس لدينا تعرف جيداً مفهوم الالتزام وأن كل شيء لا بد وأن يكون له حدود. وفي الانتماء، لأي فريق، هناك الاختلاف الدائم، لكن الجميع يبدون كأسنان المشط لحظة إغلاق باب البيت عليهم، والاستعداد ليوم مُقبل يحمل معه منافسة محتدمة. ولا أحد يكسر نافذة أو يهدم جدار. إن توّهم الخلاف هو الخلاف بعينه، وهو الرحم الأولى لتكوين الاصطدام، والعين المُغلقة التي تقود من خلفها إلى حافّة الهاوية. فالخائف الكفيف أخطر بكثير من المُبصر الآمن. إننا لا نتعصّب لأنديتنا، بل نُحبها. ونرى أن العدل لا يتحقق إلاّ بخسارة غيرها. ولا نحاول أن نتقبّل ساعات الهزيمة ولا نريد حتّى. وفي ظنّي هذا مفهوم ومستساغ إلى حدٍَ ما طالما أن الأبعاد بكامل أطوالها نحن من يحسبها ويضع المسافات بينها.
إن تدخّل الجماهير في صميم اللعب والتأثير على ما حوله يعودُ إلى عدم وصولها لتحديد معايير الفرُجة بسبب تدّني المستوى الفنّي، فتتسلّم من تلقاء نفسها دور الموجّه الناقم فتصدم بكل شيء حتى مع من يشاركها الميول.
إن صوت التشجيع سيبقى وكذلك صراخ الأنداد، لكن الذي يجب أن يختفي حقاً هو تنادي الاستعداء.