|


أحمد الحامد⁩
شيء من عالم النسيان
2020-07-19
أمرُّ بحالات نسيان غريبة، أخرج من الصالون لأحضر شيئًا من المكتب، لكنني إذا ما وصلت إليه، نسيت سبب وجودي فيه. أذهب إلى البقالة لشراء مواد غذائية، فأعود بنصف ما ذهبت لشرائه. في البدايات، قلت إن النسيان بسبب عدم التركيز، أو التفكير في أكثر من أمر واحد في الوقت نفسه، وهذا ما يشتت انتباهي.
في الأيام القليلة الماضية، زادت الحالة لدرجة أنني أعدت قراءة فقرة على المستمعين، كنت قد قدمتها لهم قبل أيام. بالأمس، قطعت نحو 40 كيلومترًا لأجتمع بأحد الزملاء من أجل موضوع في العمل، ثم وجدت نفسي أصارحه بأنني نسيت ما جئت من أجله، لكنها كانت فرصةً لأشكو له أمر النسيان، وكان زميلًا طيبًا، لأنه ألقى بالأمر كله على كورونا، وما سبَّبه هذا الفيروس من ضغوطات نفسية، ومع ذلك التقطت نظرة شفقة، رمقني بها.
عن تلك النظرة بحثت عبر الإنترنت، وكتبت: ما أسباب النسيان؟ وعلى الرغم من أنني لا أشجع القرَّاء على أن يأخذوا الإنترنت مصدرًا موثوقًا للتشخيص، إلا أنني وجدت نفسي أقرأ ما جعلني أحمدُ الله على مستوى ذاكرتي وما تبقى منها.
ومما قرأته، أن رجلًا ألمانيًّا عام 1997 ركن سيارته في مرأب، كان قريبًا من بيته، ثم نسي أين ركنها لمدة 20 عامًا، ولم يستعد سيارته هذه إلا بعد أن أخطر مالك المرأب الشرطة برغبته في هدم المبنى! وعلى الرغم من أنني نسيت أين ركنت سيارتي مرات عدة، ذهبت بها إلى مركز تسوق كبير، إلا أنني كنت أكتشف موقعها بعد ساعة، أو ساعتين، إلا مرة واحدة، انتظرت أربع ساعات حتى غادرت كل السيارات فرأيت سيارتي من بعيد. أكثر من قصة قرأتها بعد أن بحثت عن النسيان في “جوجل”، لكن هناك شيءٌ ترك الحزن في قلبي، وهو ما كتبه آرنو جايجر، الكاتب النمساوي، عن والده الذي نهش النسيان ذاكرته بعد أن كان سيد البيت ومستبده “أصاب أبي الملل ذات مرة، فقال: أريد أن أذهب إلى البيت، ونحن أساسًا في البيت، فقلت له: حسنًا.. اذهب.
فكان رده: هل ستأتي معي أم ستبقى هنا؟ فأجبته سأبقى هنا، نظر حوله وكأنه يريد تذكر ما يريد أخذه معه، وبعدها جاء إليَّ مرة أخرى عند الطاولة، وبدا عليه الإحراج من هذا الموقف، تردد قليلًا، ولكنه تكلم في النهاية: هل يمكنك على الأقل أن تعطيني عنوانًا، أو أي إرشادات أخرى، مثلًا أن تقول لي سِر حتى نهاية الشارع العلوي حتى ترى البيت الفلاني الذي من المفترض أن يكون بيتي”؟!