|


رياض المسلم
«التاجر الصغير».. والدراما المضحكة
2020-08-11
على بعد نصف متر تبتعد جدتي “رحمها الله”، عن جهاز التلفاز تنتظر عرض “التمثيلية” التي تسمى في أيامنا المسلسل، ومع أول مشهد تطلق صرخات غضب، فكنا نخشى عليها من ارتفاع الضغط، وعلى شاشة التلفاز و”الإريل” من يدها، ولحظة خروج الراحل علي المفيدي في “رقية وسبيكة” تلاحقه بعاصفة من السخط، وحتى عندما يظهر في مقابلة تلفزيونية على الفور تفصل الكهرباء، فلم تنسَ شخصيته الشريرة..
الأعمال الدرامية في السابق يعيش في أدوارها المشاهدون وليس الممثلين فقط، لأسباب عدة منها الطبيعة البشرية في ذلك الزمان والبساطة، إلى جانب الاحترافية العالية في التمثيل، فهل نقارن الراحل خالد النفيسي بما يقدمه فهد باسم؟!..
في عالم “السناب شات”، يوهمنا “مشاهير السوشال” بمصداقية محتواهم وأنه من صنع الصدفة، والكثير من متابعيهم كحال جدتي يتعاطفون معهم ولا يفكرون لبرهة أنه قد يكون مدرجًا تحت بند “التمثيل”..
في جلسة مع الأصدقاء، يداهمني أحدهم بمقطع فيديو “التاجر الصغير”، ويقول إن المشهور الفلاني قام بمبادرة رائعة لطفلين بائعين تحت أشعة الشمس ولكن لا تبدو عليهما أي آثار لأشعتها أو مشقة البيع، ويشير إلى أن الإعلانات بدأت ترفرف عليهما والعطايا والخيرات، وبحسب صديقي فإن الإعلان في حسابهما يقارب 25 ألف ريال، وفي السابق كانا يبحثان عن من يعطف عليهما، ويرويان قصتهما مع أحد المهرجين طلب منهما 30 ألف ريال مقابل الإعلان لهما، ولكنه عاد نادمًا متمنيًا أن يغفرا له بعد أن تبوآ منصبًا رفيعًا في الشهرة ويعلنان لحسابه..
سألت لصديقي المتحمس والمتلهف لمتابعة أخبار الطفلين وكأن قدميهما وطأت سطح القمر، “كيف تضمن بأن ما تراه ليس مشهدًا تمثيليًّا، من كتابة وإخراج المشهور ليكسب تعاطفًا وربحًا ماديًّا أو نحوه؟!!”.. لم يجب عن سؤالي.. رغم أني مدرك وقتها بأنه فيلم ينقصه “التتر”.. وسعدت كثيرًا بعد أن أزاح العقلاء الستار.. وأوقفوا المسرحية “الفاشلة”..
سذاجة المتابعين الذين يصدقون أي محتوى يقدمه مهرجو “السوشال ميديا”، ستجعلهم يتمادون ويقدمون أفلامًا تتخطى إنتاجات هوليوود..
لا ألوم هؤلاء “الحمقى” فقد اعتادوا على “التفاهة” التي صنعت منهم نجومًا، ولكن “الشرهة” على من يتابعهم وصنع منهم أسماء لامعة تضيء في عقول الساذجين فقط في زمن التطور والانفتاح والعلم..
أمس التاجر الصغير واليوم الفتاة المظلومة وغدًا القط الطموح.. الأفلام ستستمر ما لم تتدخل جهات مختصة لوقف التلاعب بمشاعر المجتمع بتقديم مبادرات مبطنة في صورة “الصدق”، فناقلوها أذكياء يعتمرون قبعة المخرج ليحققوا مصالحهم الشخصية بعد أن وجدوا “ساذجين” يتفاعلون معهم..
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من “يتابعها”..