|


تركي السهلي
العمر المسروق
2020-10-18
صباحاً، مع نسائم أكتوبر ومفاجآت أيّام “الوسم”، لا شيء يدفعني للأمام. أغنية المذياع هي ذاتها، والاستيقاظ باكراً لا جدوى منه. والآمال المجنونة تحظر كما في كل مرّة قافزة في الذهن بين الذهاب والعودة. جلبة الأصوات في النهار لا تغيب، وصمت الجدران لا يتبدّل. حنينٌ دائمٌ وخطوات تتثاقل نحو العمر المسروق. آهٍ لو أستطيع أن أُحطّم كل الأبواب القديمة وأفعل كما يفعل حارس مُتمرّد مع قلعة متينة، وأعبُر مثله فوق الأحجار، وأُشعِل النار في الأخشاب، وأُصبح أطول من الأعمدة.
أحياناً، أشعر بأنني مثل بعض الكائنات التي تعيش على الأغصان، تتسلّق كل يوم لتأكل ثم تختبئ في بيتٍ صغيرٍ وسط لحاء، تستمع إلى صوت الحفيف فتأمل خيراً وتخرج عينيها فقط، لكن الليل يُعيدها إلى لحظات الخوف، فتظلّ طوال الوقت في ظنِّ الحماية بالندى. ومرّات، يتملّكني إحساس بأنني مُحارِب لديّ سيف ورمح وحصان وخوذة وسترة حديد.. أقطع المسافات نصيراً للضعفاء من الناس، وحينما تطير في سمائي حمامة أقتلها وأجعل من دمائها على الغمدِ دلالة نصر. الأكيد أنني أفرض لباسي على الملأ وحينما أكون وحيداً لا أسمح لأي معطف أن يكون بقربي وأقهقه كثيراً كما لو كنت في مسرح متجوّل.الأسياد لا ينامون في غرف المؤونة. البيوت الكبيرة لا تمنع الأسرار من الإفشاء. الشعرُ الناعمُ اللّامعُ المغسول قد تسقط منه شعرة في إناءٍ مُتّسِخ. السفينة الضخمة العابرة للمحيطات والبحار قد تغرق بسبب جرف صخري. الحياة على اليابسة ليست كما الحياة في الماء.
لستُ مُستعداً لأكتوبر هذا العام، لم يعد لديّ حملٌ على نسائمه ولياليه الطويلة ونهاره الجذّاب. لستُ بحالٍ يسمح لأن أتنقّل من الرمضاء إلى الروض بهذه السرعة وبهذا المزاج. لم أحسب حساب البرد وأنا ابن الصحراء المحروق من لهيب الشمس. لا أدري كيف أستقبل المطر وأنا بالكاد كنت أجد قطرة عذبة من بئرٍ لا معالم لها. لم يعد بمقدوري أن أجلس منتظراً وأنا الذي اعتدت المسير. لن تُساعدني أفكاري على أن أتوقّف وأنا من أوجد في عقله بساتين وارفةً وسط أزمنة الجفاف. لستُ أرضاً، ولكنني سُنبلة. نعم عَطِشٌ، لكنّني مجرى نهر. يا لهذا الشهر الآتٍِ في موعده وأنا ساعتي ليس لها في معصمي رباط. ما هذا الوقت الذي يُريد أن يأخذني عُنوة معه وله وأنا ابن الأمس. أكره أن أكون مُسايراً وأنا طائر. كم يُفرِحني الزرع وكم يُحزِنني الحصاد.