|




تركي السهلي
أنا وأمرابط
2020-11-17
حينما كانت تدور دقائق مباراة المغرب وإسبانيا في مونديال روسيا 2018م، كان هُناك لاعب يحتلّ الطرف الأيمن في فريقه ويجعل منه ساحة لعب مؤلمة للإسبان.
تحوّل الأصلع في تلك المُنازلة إلى “بطل قومي” يُشبه كثيراً تلك الروح التي سكنت الأندلس لعقود، وأحالت كل مُدنها إلى قِباب ومآذن وأحصنة تمشي على الممرّات المرصوفة فتُحدِث صوتاً راقصاً على أجراس إشبيلية وقرطبة، وترتدي الزِيّ اللامع القشيب المنسوج بأيادي “زرياب” سيّد الأزياء والموسيقى ومُعلّم المُغنيّات القدود والحدود والموشّحات. غاب التاريخ وحضر نور الدين وقيلت الحكايات المنسيّة من على كنائس الأباطرة الروس في الساحة الحمراء. بعد انتهاء الاحتدام في موسكو انطلقت الأغاني في “طويق” غرب العاصمة السعودية لاستقبال المُقاتل الجديد مُنضمّاً للنصر ذلك العريق الأصفر وحامل عبق الرياض وخزائن بخورها، والمانح لكُرة القدم فيها لوناً خاصاً لا يغيب عن أخذ الناس خلفه ونحوه، وفي اتجاه تتابع الخُطى إلى ساحة “الملز” في مساء العيد لأداء “رقصة النصر”. أصبح المغربي المُبتسم وهو يلعب، عُنصراً في الفريق المؤسِّس للتفرّد ببزوغ الشمس، والمُعطي للناس وضوحاً لا غموض فيه ومعه، فعادت قصص الثنائيات من جديد، وأدرك الجمهور العالمي أن للتصفيق معنى آخر بوجوده، وأن الهتاف سيكون بروح “مُقاتل”. كنتُ واحداً من الذين توجهوا نحو الساحات لمشاركة الجميع “العرضة” وفي يدي سيف عربي أودُّ إهداءه للفارس الأندلسي القديم، وأُجلّله بالعلم الأخضر الذي لا يُنكّس كونه لا يكون إلاّ عالياً مُرفرفاً فوق سواري القصور الطينية المنيفة وحارساً للبوّابات وسكّان النهار المتسامرين ليلاً في حضن “ابن غنّام” و”ابن بشر”. أحدث نور الدين مزيجاً بين الوجه البشوش واللعب بقوّة بين القدم التي لا تعرف الكسل والرأس اللامع تحت الأضواء.. بين الانتماء للقميص والقميص المنتمي لمن يرتديه.. بين ربطة الحذاء وعرق الجبين. أمرابط هو التناغم مع اللُعبة والعارف بأسرار مُداعبتها ومطاردتها.. الشرس الذي يركض وفي ذهنه الانتصار.. اللاعب وأمام عينيه صورة الساحات والأزقّة الضيّقة وأطفال الشوارع وحلوى سيّدات القريّة وفتيات الحي الراقصات على وقع حوافر حصانه العربي. الدقائق التي تمرّ في مُشاهدته ممتعة، والساعات التالية للحديث عنه تُشبه نسج أحرف قصّة شعبيّة مشوّقة. كُل ما نظرت إلى نور الدين وهو يرتدي رداء النصر تملّكني إحساس أنه أنا، وأنه يجب أن يُقاتل حتى انتهاء المعركة، ولو لم يتحقق شيء.