|


فهد عافت
تراويح الثبيتي
2021-01-04
- لعلّه البيت الأشهر في كل التجربة الحداثيّة السعوديّة:
“مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي..
وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي”!.
- الشطر الثاني يُشرب شربًا!.
شيء لا يُصدّق من الجمال والجلال: “وفاتني الفجر إذ طالت تراويحي”!. الهداية حَدّ الجِنَاية!.
- لم يحدث أن قرأت، ولا أن رأيت طبعًا، خشوع تعبُّدٍ يصل بصاحبه إلى هذا الحدّ!. حدّ أنْ يكون للتّبتّل من الورع ما يُغيّب صاحبه في متعة الخضوع ويذهب به إلى الانقطاع عن العالم، والسهو عن الزمان، والارتقاء فوق المدى، بخشوعٍ له من الطهر والنزاهة وصفاء القلب ما لا يمكن له إلا أن يبقى متّصلًا، متغلغلًا، متجاوزًا “الفرض”!.
- أنتقل إلى ما يراه البعض هفوةً وبُعدًا عن الاستواء، في صياغة الثبيتي:
“والليل يعجب منّي ثم يسألني:..
بوّابةُ الرّيح؟! ما بوّابةُ الرّيحِ؟!
فقلتُ والسّائل الليليّ يَرقُبُني:
والوِدُّ ما بيننا قبْضٌ من الرّيحِ..
إليكَ عنّي فشعري وحيُ فاتنتي
فهي التي تبتلي وهي التي تُوحي”!
- يسألني صديق: وما رأيك بتكرار محمد الثبيتي لمفردة “الريح” قافيةً في بيتين متلاحقين؟! أَوَليس هذا خطأً، ولا يجوز؟!. فأكتب هذه المقالة جوابًا:
- تفويت “فرض” الفجر، بسهو التّتيّم بالتراويح في مطلع القصيدة، يزلزل منذ البدء قدرة المواقيت على إخضاع النفس المتنسّكة لأيّ “شرط”!.
فإنْ كانت من “شروط” القصيدة العربيّة، كما تعلّمناها، عدم جواز تكرار نفس الكلمة قافيةً إلا بعد كل سبعة أبيات أو أكثر قليلًا!. فإنه في النهاية “شرط”! وإنها في النهاية “مواقيت”!.
ونحن أمام قصيدة كشفت منذ البدء، لا عن رفض الشروط فقط، بل عن تسييل المواقيت أيضًا!.
- القصيدة التي وفي مطلعها سيّلت التراويح حتى فوّتت الفجر، غير منتبهةٍ ولا مكترثةٍ بـ”المواقيت”، تفعل الشيء ذاته مع القافية، ضاربةً “مواعيدها” المتفق عليها عرض الفضاء، إذ لا حائط ولا جدران من أي نوع!.
- من ناحية أُخرى، فنيّة بحتة، فإن رائعة الثبيتي هذه، حتى وإن أخذت من الخارج شكل القصيدة العموديّة، إلا أنها وفي كل حركة وسكون فيها ليست إلا شعرًا حرًّا، لا يمكن لمتذوّق شعر، فيما أظن، تأمّلها، والتدفّق معها ومن خلالها، إلا بناءً على فضاءات الشعر الحرّ!. المفردات، الإيقاع، ضوء الحوار وظلال الاسترسال، والرّتم كلّه يقول إنها “شعر حرّ”، من فرط ما هو “حرّ” اتخذ الشكل “العمودي”!.
- ما علاقة ذلك بتكرار القافية في بيتين متلاحقين؟! علاقته أنك وما أن تتأمّلها بالروح التي هي عليها حقًّا، أي باعتبارها شعرًا حرًّا، حتى تهوي هذه الملاحظة حول القافيتين، وتبطل الحجّة!. بهذه النظرة لا توجد سوى قافية واحدة!. كيف؟! اقرأها مقطّعةً، مثلًا، على النحو التالي:
“والليل يعجب مني..
ثمّ يسألني:
بوّابة الريح؟!
ما بوّابة الريحِ؟!
فقلتُ
والسائل الليليّ
يرقُبُني:
والودُّ ما بيننا قبضٌ
من الرّيحِ: إليك عنّي!..
فشعري وحيُ
فاتنتي!
فَهْيَ التي
تبتلي
وَهْيَ التي
تُوحي”!.
أين القافية المكررة هنا؟! ذابت!
- موسيقى محمد الثبيتي المنسابة، وإيقاعاته المسترسلة، تذيب “قبضٌ من الريحِ”، تمزجها وتدمجها و”تهزجها” بما يليها، فلا تشعر الأُذُن المتمرّسة الخبيرة في فن الشعر، بوجود قافية مُكرّرة!. لا يتم التنبّه إلى ذلك إلا حين نعود للشكل الخارجي، السطحي والعام، للقصيدة!. نُدْخِلها التصنيف لنطلب منها التكييف!.
- والثبيتي يصدح:
وما تيمّمتُ شمسًا غير صادقةٍ..
ولا طرقتُ سماءً غير مفتوحِ!