ـ نبدأ برأي كتبه عوّاض العصيمي في تغريدة قبل يومين: الروائي وراعي الغنم يشتركان في أكثر من وجه في رعاية النص/ القطيع. ملاحظة سيُدرِك مضمونها من رعى الغنم وجرّب الكتابة الروائية!.
ـ في حوار تلفزيوني قديم، تحدّثتُ عن تأثير الأسطورة الكروية “ماجد عبدالله” عليّ كشاعر!. كانت من طبيعة ماجد ألا يركض وراء كلّ كرَة. سألته عن ذلك، قال: بعض الكرات تقرؤها من الأساس فتعرف أنها لا تشكّل هجمة خطرة، وأنه لا يمكن لي الاستفادة منها، فأتركها، ليظل الجهد في خدمة الذّهن، فلا أشتّته في محاولات لا جدوى منها!. من هذا التصرف الكروي تعلّمت هجران الجملة التي لا بريق لها، ولا تُهيّئ لبريق!. تعلّمتُ منه أيضًا أهميّة السيطرة على الكلمة، فالكلمات لا تجمح إلا بعد ترويض خفيّ لها في وجدان ولغة الشاعر!. تمامًا مثلما أنّه لا يمكن للكرة أن تساعدك في المراوغة والمُضيّ قُدُمًا إلا إن كنت مسيطرًا عليها!. المسألة تحتاج صُحبة مع الكُرَة ومحبّة لها وإيمان بها وبقدراتك من خلالها، وكذلك الكلمة!. تعلّمتُ منه الانقضاص!، وكذلك عدم الندم على فرصة ضائعة، لأن الندم والتّحسّر يُضيعان الفرصة التي تليها!. النسيان فن أيضًا، وهو فن مهم للغاية!.
ـ يومها: على الفكرة ضحك من ضحك، وعلى المقاربة تندّر من تندّر!.
ـ كل ما قلته بخصوص علاقتي كشاعر بماجد عبدالله كلاعب، وجدته قبل أيام، بنبوغ أدبي لا يُقارن بكلماتي في ذلك الحوار التلفزيوني العابر، وبشفافية إبداعيّة لا أفعل الآن غير التمحّك بها حين أقارنها بما قلت!.
ـ الحديث عن قصّة قصيرة للمبدع، المبدع حقًّا، المبدع للدرجة التي يتوجّب عليّ الاعتذار لكلمة “مبدع” إذ استُهلِكَتْ في مجاملات كثيرة دون وجه حق!، وآن لها أن تستقر عند صاحبها، المبدع: ضيف فهد!.
ـ القصّة بعنوان: “والدي الفنّان”، قصّة قصيرة، ضمن مجموعة “ضيف فهد” القصصيّة المذهلة: “جدار على امتداد العالم”، الصادرة عن نادي مكّة الثقافي. وفيها يربط بطل القصّة المشغول بالكلمات، دون تحديد النوع الأدبي، لكن يمكن لك تخمين أنه شاعر أو قاص أو روائي، كاتب عمومًا. يربط بين مهنته ككاتب ومهنة والده كعامل بناء، ربطًا عبقريًّا، يؤكّد أنّ قناديل طاقة الإبداع لها من “الزّيت” ما لا يمكن تخيّل مصادره!. وأنّ للفنان من الاستسقاءات أنهُرًا لا تخطر في بال أحد!. وربما عاش ومات الفنّان نفسه لا يدري من أين تَشِعّ له الإضاءات البارقة، ولا كيف اكتسب مهارة الوصول وفطنة الحصول!.
ـ تبدأ القصّة بهذين السطرين: “الكلمات بالنسبة إليّ.. هي الحجارة بالنسبة إلى والدي، بكفّ مرفوعة، وعلى كتاب الله المجيد، أستطيع القَسَمَ على ذلك”!.
ـ يحكي بطل القصّة كيف ظلّ والده يتصرّف كهاوٍ رغم احترافه لمهنته: “الهواية بوصفها: ذلك الأمر الذي نقوم به خارج مَلَل ما نُكلّف به”!. الهواية تُحيل كل عمل إلى شِعر!. فالبنّاء الذي يعمل على ترويض وحشيّة الحجر، رافضًا الأمرين معًا: الإبقاء عليه جامدًا، والامتثال لأي شكل هندسي معلوم ومُنتظر مُسبقًا، لا يمكن له أن يكون بنّاءً عاديًّا، كما لا يمكن له أن يكون هاويًا فقط، بالتأكيد هو موهوب!، الأمر: “لو سمحت لنفسي، له علاقة بطبيعة الفنّان في داخله، تعويض ربّما عن كونه لم يُصبح شاعرًا، هو الطويل، والجميل، وهما الصّفتان اللتان ظنّ أنّه قطع بهما نصف المسافة باتجاه الشعر”!.
ـ كان بطل القصّة يتشرّب من والده أشياء ستسكن فيه تلقائيًا، ومن زيتها تُضاء قناديله: “في مرّات كثيرة كان يتطوّع لإصلاح بعض الأبنية في القرية، يدفعه في ذلك أمران: حِسّ المساعدة، وتوْقه السّرّيّ إلى التّغلّب على الحجر”!. ارفع دائمًا كلمة: الحجر، وضع مكانها: الكلمة، ستعرف كيف يمكن لبنّاء أن يَمُدّ كاتب بدروس ومناهج!.
ـ أمّا لماذا يلتزم المبدع بقوانين فنّه، وما هي لذّة الشاعر، مثلًا، بالتمسّك بالقافية، رغم أنها تُضيّق عليه الاختيارات؟! فإنّ اللذّة في هذا الإرغام نفسه!. غياب وفرة الاختيارات هو ما يصيب المبدع بجنون الفرح ورعشة السعادة، متى ما قدر على فتح آفاق جديدة رحبة من قلب الضيق نفسه: “العمل حتى هذا التوقيت يسير بدون لذّة واضحة نتيجة للوفرة في الاختيار”!.
ـ يتذكّر بطل القصّة كل هذه النمنمات الصغيرة، فيتأكّد له بمسرّة غامرة، كم هو مقلّد بارع وجميل!. كلمة التقليد هنا، تستحق هي الأخرى اعتذارًا كالذي اعتذرناه لكلمة مبدع قبل قليل!. فالفنّان في حقيقته مُقلِّد لألف شيء وشيء، كلها، أو معظمها، لا علاقة لها بفنّه!. يبدو لي أننا نُكرم هذا الذي نصفه بالمُقلّد حين نقصد من وراء ذلك تقليده المخنوق بحبل فنان يشتغل بالنوع الفني والأدبي نفسه الذي يشتغل هو فيه!. مثل هذا المُقلّد إنما هو لصّ جبان أو مزوّر!. ويكفيه من الذّل والمهانة أنه تقلّد، بمحض إرادته، حبلًا من صُنع غيره، وشنق به نفسه، أو عرضها للسحب والجرّ في الأسواق!.
ـ المبدع الحقيقي يُقلّد مبدعين آخرين لكل واحدٍ منهم فنّ غير فنّه!. وإنما تكمن عبقريته في الفهم وفي القدرة على الاستدراج!. تمامًا مثل بطل قصّتنا: “كلّما وقفتُ أمام كوْمَة كلمات جديدة، وفكّرت ـ في تقليد محض ـ بالقيام ببناء جُدران مُتقنة من الجُمَل”!.
ـ بغير هذا، لا يمكن لأي مبدع، الحصول على المتعة السحريّة الفائقة، تلك التي لا يمكن لك رؤيتها على وجه المُقلِّد اللِّصّ المزوِّر!. تعرف المبدع من بعيد: “تطفح من وجهه سعادة التوقّع، تلك السعادة التي يشعر بها كل فنّان يثق أنّه في الطريق لإنجاز عمل غير مسبوق”!.
ـ إضاءة: كل ما هو بين قوسين، مأخوذ حرفيًّا من قصّة “والدي الفنّان” لضيف فهد.
ـ في حوار تلفزيوني قديم، تحدّثتُ عن تأثير الأسطورة الكروية “ماجد عبدالله” عليّ كشاعر!. كانت من طبيعة ماجد ألا يركض وراء كلّ كرَة. سألته عن ذلك، قال: بعض الكرات تقرؤها من الأساس فتعرف أنها لا تشكّل هجمة خطرة، وأنه لا يمكن لي الاستفادة منها، فأتركها، ليظل الجهد في خدمة الذّهن، فلا أشتّته في محاولات لا جدوى منها!. من هذا التصرف الكروي تعلّمت هجران الجملة التي لا بريق لها، ولا تُهيّئ لبريق!. تعلّمتُ منه أيضًا أهميّة السيطرة على الكلمة، فالكلمات لا تجمح إلا بعد ترويض خفيّ لها في وجدان ولغة الشاعر!. تمامًا مثلما أنّه لا يمكن للكرة أن تساعدك في المراوغة والمُضيّ قُدُمًا إلا إن كنت مسيطرًا عليها!. المسألة تحتاج صُحبة مع الكُرَة ومحبّة لها وإيمان بها وبقدراتك من خلالها، وكذلك الكلمة!. تعلّمتُ منه الانقضاص!، وكذلك عدم الندم على فرصة ضائعة، لأن الندم والتّحسّر يُضيعان الفرصة التي تليها!. النسيان فن أيضًا، وهو فن مهم للغاية!.
ـ يومها: على الفكرة ضحك من ضحك، وعلى المقاربة تندّر من تندّر!.
ـ كل ما قلته بخصوص علاقتي كشاعر بماجد عبدالله كلاعب، وجدته قبل أيام، بنبوغ أدبي لا يُقارن بكلماتي في ذلك الحوار التلفزيوني العابر، وبشفافية إبداعيّة لا أفعل الآن غير التمحّك بها حين أقارنها بما قلت!.
ـ الحديث عن قصّة قصيرة للمبدع، المبدع حقًّا، المبدع للدرجة التي يتوجّب عليّ الاعتذار لكلمة “مبدع” إذ استُهلِكَتْ في مجاملات كثيرة دون وجه حق!، وآن لها أن تستقر عند صاحبها، المبدع: ضيف فهد!.
ـ القصّة بعنوان: “والدي الفنّان”، قصّة قصيرة، ضمن مجموعة “ضيف فهد” القصصيّة المذهلة: “جدار على امتداد العالم”، الصادرة عن نادي مكّة الثقافي. وفيها يربط بطل القصّة المشغول بالكلمات، دون تحديد النوع الأدبي، لكن يمكن لك تخمين أنه شاعر أو قاص أو روائي، كاتب عمومًا. يربط بين مهنته ككاتب ومهنة والده كعامل بناء، ربطًا عبقريًّا، يؤكّد أنّ قناديل طاقة الإبداع لها من “الزّيت” ما لا يمكن تخيّل مصادره!. وأنّ للفنان من الاستسقاءات أنهُرًا لا تخطر في بال أحد!. وربما عاش ومات الفنّان نفسه لا يدري من أين تَشِعّ له الإضاءات البارقة، ولا كيف اكتسب مهارة الوصول وفطنة الحصول!.
ـ تبدأ القصّة بهذين السطرين: “الكلمات بالنسبة إليّ.. هي الحجارة بالنسبة إلى والدي، بكفّ مرفوعة، وعلى كتاب الله المجيد، أستطيع القَسَمَ على ذلك”!.
ـ يحكي بطل القصّة كيف ظلّ والده يتصرّف كهاوٍ رغم احترافه لمهنته: “الهواية بوصفها: ذلك الأمر الذي نقوم به خارج مَلَل ما نُكلّف به”!. الهواية تُحيل كل عمل إلى شِعر!. فالبنّاء الذي يعمل على ترويض وحشيّة الحجر، رافضًا الأمرين معًا: الإبقاء عليه جامدًا، والامتثال لأي شكل هندسي معلوم ومُنتظر مُسبقًا، لا يمكن له أن يكون بنّاءً عاديًّا، كما لا يمكن له أن يكون هاويًا فقط، بالتأكيد هو موهوب!، الأمر: “لو سمحت لنفسي، له علاقة بطبيعة الفنّان في داخله، تعويض ربّما عن كونه لم يُصبح شاعرًا، هو الطويل، والجميل، وهما الصّفتان اللتان ظنّ أنّه قطع بهما نصف المسافة باتجاه الشعر”!.
ـ كان بطل القصّة يتشرّب من والده أشياء ستسكن فيه تلقائيًا، ومن زيتها تُضاء قناديله: “في مرّات كثيرة كان يتطوّع لإصلاح بعض الأبنية في القرية، يدفعه في ذلك أمران: حِسّ المساعدة، وتوْقه السّرّيّ إلى التّغلّب على الحجر”!. ارفع دائمًا كلمة: الحجر، وضع مكانها: الكلمة، ستعرف كيف يمكن لبنّاء أن يَمُدّ كاتب بدروس ومناهج!.
ـ أمّا لماذا يلتزم المبدع بقوانين فنّه، وما هي لذّة الشاعر، مثلًا، بالتمسّك بالقافية، رغم أنها تُضيّق عليه الاختيارات؟! فإنّ اللذّة في هذا الإرغام نفسه!. غياب وفرة الاختيارات هو ما يصيب المبدع بجنون الفرح ورعشة السعادة، متى ما قدر على فتح آفاق جديدة رحبة من قلب الضيق نفسه: “العمل حتى هذا التوقيت يسير بدون لذّة واضحة نتيجة للوفرة في الاختيار”!.
ـ يتذكّر بطل القصّة كل هذه النمنمات الصغيرة، فيتأكّد له بمسرّة غامرة، كم هو مقلّد بارع وجميل!. كلمة التقليد هنا، تستحق هي الأخرى اعتذارًا كالذي اعتذرناه لكلمة مبدع قبل قليل!. فالفنّان في حقيقته مُقلِّد لألف شيء وشيء، كلها، أو معظمها، لا علاقة لها بفنّه!. يبدو لي أننا نُكرم هذا الذي نصفه بالمُقلّد حين نقصد من وراء ذلك تقليده المخنوق بحبل فنان يشتغل بالنوع الفني والأدبي نفسه الذي يشتغل هو فيه!. مثل هذا المُقلّد إنما هو لصّ جبان أو مزوّر!. ويكفيه من الذّل والمهانة أنه تقلّد، بمحض إرادته، حبلًا من صُنع غيره، وشنق به نفسه، أو عرضها للسحب والجرّ في الأسواق!.
ـ المبدع الحقيقي يُقلّد مبدعين آخرين لكل واحدٍ منهم فنّ غير فنّه!. وإنما تكمن عبقريته في الفهم وفي القدرة على الاستدراج!. تمامًا مثل بطل قصّتنا: “كلّما وقفتُ أمام كوْمَة كلمات جديدة، وفكّرت ـ في تقليد محض ـ بالقيام ببناء جُدران مُتقنة من الجُمَل”!.
ـ بغير هذا، لا يمكن لأي مبدع، الحصول على المتعة السحريّة الفائقة، تلك التي لا يمكن لك رؤيتها على وجه المُقلِّد اللِّصّ المزوِّر!. تعرف المبدع من بعيد: “تطفح من وجهه سعادة التوقّع، تلك السعادة التي يشعر بها كل فنّان يثق أنّه في الطريق لإنجاز عمل غير مسبوق”!.
ـ إضاءة: كل ما هو بين قوسين، مأخوذ حرفيًّا من قصّة “والدي الفنّان” لضيف فهد.