|


تركي السهلي
تركيبة مزج
2021-01-30
بين النصر والهلال تركيبة مزج لا تقف عند حدود معيّنة، تقصُر عن الانطلاق نحو الفهم العميق لهما ككيانين راسخين في الثقافة الشعبية، ومستوى التغيير الذي أحدثاه في الأنفس والأذهان.
طريق طويل من التأثير أثمر عن قصص لن تموت من الذاكرة ولن تغيب عن تتابع المشاهد بكل تفاعلاتها، عمّن سكن الرياض كمدينة وادعة صغيرة منتصف الخمسينيات الميلادية ولا كمجتمع ناهض له تفاصيله الخاصّة.
كان البدء محصوراً بالممارسة الخالصة لكرة القدم لنحو عقد من الزمن، ومع تنامي الحياة آواخر الستينيات الميلادية ظهرت محركات جديدة، أحالت مفهوم تشكيل الناديين إلى حراك كبير من نواحٍ أدبية وثقافية وجماهيرية ذات تعاطٍ آخر.
أعطى الأدباء والشعراء اللعبة الشعبية من رونقهما فجذب النصر الأديب العظيم الشيخ عبد الله بن خميس، فنسج كل الموروث من “حجر اليمامة” و”البطحاء” و “ وادي حنيفة “، وصبّه في النادي الأصفر كحاضنة جديدة للتعبير، فتحوّلت كُرة القدم من الشوارع إلى المنتديات ومن القصور إلى فناء المعرفة.
ومع طغيان اللغة والأدب في النادي العاصمي الظاهر في 1955م وتكوينه كمسرح بديع تسيّد الخطاب وتسلل إلى “ جامعة الرياض” ومدراس الوسط والأطراف، واحتضانه للفكر الكامل من جانب نخبوي وتأسيسه لجيل مُتعلّم مثقف شديد الفهم، خرج الهلال الآتي في 1957م إلى مساحة الصحافة لمحاولة زراعة روح مُعاكسة للروح الصفراء المتعمّقة آنذاك. قصد الأزرق الحرف الشعبي السريع القائم على المناكفة والخالي من الكلمة الرصينة، في محاولة منه لإيجاد منطقة جماهيرية تزاحم أنصار النصر النجباء تلك المرحلة.
اعتمد الفرد الهلالي على المشاغبة اللغوية وكسر الأحرف والتمجيد غير المنطقي، فأوجد له شريحة كبيرة من الراغبين والفاهمين لسلسلة الكلام الأزرق الجديد. أطلق الهلال رموز مرحلته تلك دون الاتّكاء على ملامح عمق بما فيها من تكوين مجتمعي، مُحدّداً عقوله الراغب في تشكيلها بقصد التخفيف أو مسح البلاغة الصفراء. كان التضادّ بين صالون أدبي وأقلام مُراهِقة بين شاعر ومشتغل بالورق بين النخيل ونبت زينة بين أرض ماء ومنطقة ملح.
اليوم، وبعد مرور نصف قرن على ولادة الخطابين، ظلّ الوضع كما بدأ رغم موت الرموز وتبدّل أدوات التعبير، فتمسّك النصراوي بلغته الثابتة وقصيدته المُتجدّدة وأحرفه التي لا تشيخ وأدبه المتجاوز الآفاق، وحمل الهلالي أرشيفه معه باحثاً عن مطابع هادرة ومشاغبات لا تنتهي وتكوينات نابتة في الممرات. لا أحد محا الآخر، لكن لا تشابه بينهما رغم الأعوام و الأحلام والأقلام.. والسيّدات والسادة.