|


فهد عافت
السّوق والتّحيّز!
2021-03-22
ـ يصعب عليّ الاقتناع بإمكانيّة أنْ تُسهم تطبيقات التّواصل في تقديم أدب، أو فن، جيّد!.
ـ رَدَّة الفعل المباشِرَة، والسّريعة، والعابِرَة، لا يُمكنها مُعَاوَنَة أديب، أو فنّان، على شيء!، وهو متى ما تَشَهَّاها، وتعوَّد عليها، وأدمنها!، فلا سبيل لغير سقوطه في السّطحي والمبتذل، أو العادي والمكرور!.
ـ تتيح تطبيقات التّواصل هذه أمرين، من شأنهما نسف كل ظنّ بجَوْدَة مُنتَظَرَة. الأمر الأوّل: السّوق!.
ـ إنها سوق كبير ومُحتِشِد بالنّاس من كل الأنواع والأعمار، ولكلٍّ غايته ومبتغاه، بل إنّ كثيرًا منهم ليس له غاية محدَّدة، ولم يحضر ابتغاء حاجةٍ بعينها!. في مثل هذه الحالة، لا يُمكن عَرْض غير السِّلَع!. لا الفن سِلْعَة، ولا الأدب سِلْعَة!. مقولة عظيمة للمخرج السينمائي الكبير “أندري تاركوفسكي”: “إذا قُمتَ بإزالة كلّ ما يتعلّق بِجَنْي الأرباح من الأنشطة البشريّة، فسيبقى الفنّ فقط”!.
ـ الأمر الثّاني: التّحيّز!. والمقصود هنا: تحيّز المُتلقّي المُسبَق لظرفه الخاص، ولشرط السّوق، من حيث تعدّد المحلّات، والمجالات، وضرورة المرور على أكبر قدر ممكن منها، ممّا يُفقِد أي إمكانيّة حقيقيّة للتّأمّل والاندماج!.
ـ يمكن، حرفيًّا، سرد حكاية العازف “جوشوا بيل” على الحضور الأدبي، والفنّي، في تطبيقات الشبكة العنكبوتيّة، والحصول على النتيجة المُخَيِّبة للآمال ذاتها!.
ـ صارت الحكاية شهيرة، لدرجة أنّ كثيرين، “وأنا منهم طبعًا”، عرفوا اسم هذا العازف من حكايته. أختصرها لشهرتها: تخفّى فيما يُشبه زيّ المتسوّل، وراح يعزف للمارّة في محطة قطار، لم يتوقّف أحد لسماعه!. ربما توقّف رجل لدقيقتين أو ثلاث، ثم أكمل طريقه إلى حيث عمله!. توقّف طفل لدقيقة ثم سحبته يد أبيه ومَضَيَا!. وُضِعتْ في القُبّعة قِطَع معدنيّة قليلة، لعزف عظيم دام قُرابَة ساعة!. في مكانٍ آخر، ليس بعيدًا، كانت تذاكر حفلة العزف الموسيقي لنفس العازف، قد بِيعتْ بالكامل رغم ثمنها المرتفع!.
ـ بالمناسبة: حاول “جوشوا بيل” تكرار التّجربة من جديد، ولم يحصل إلّا على نفس النتيجة!.
ـ والسؤال: هل العيب في النّاس حقًّا؟!.
رأيي: ليس بالضّرورة!. بنسبة كبيرة يمكن تحميل “السّوق” و”التّحيّز” بتغيّر مسمّياتهما وتعدّد أشكالهما وِزْر النتيجة!. وهو بالضّبط ما يمكن إسقاطه على كل محاولات الحضور الأدبي، والفنّي، في تطبيقات التّواصل العامّة!.
ـ ما قام به العازف العالمي “جوشوا بيل” كان تجربة. لكن ما يمكن له أنْ يحدث في تطبيقات التواصل هو حياة، وانغماس فيها!.
مكمن الأمان في التّجربة أنّ صاحبها يعيها، وأنّها مؤقّتة، ومعزولة عن المشروع الفنّي لصاحبها، إنّها مُقيَّدَة بإرادة صاحبها، وفهمه وإدراكه لما يفعل. الكارثة تَحِلّ عندما لا تكون هذه تجربة مؤقّتة، وإنما مشروع أدبي، أو فنّي، لحياة كاملة. هنا يصير الأديب، أو الفنّان، هو المُقَيَّد بشروط السّوق، ومُلْزَمًا بتنازلات شائنة لصالح “تحيّزات” المارّة!.