|


فهد عافت
صناعة اللَّوْم!
2021-03-30
ـ كثرة المَلَام مُرهِقة للأعصاب. على “اللَّوَّام” أنْ يعرف أمرًا مهمًّا: لا يُمكن اجتماع كثرة المَلَام وصَواب الرّأي!. لا يمكن بمعنى لا يُمكن!.
ـ كثير اللَّوْم مخطئ بالضّرورة!. مخطئ مرّتين!. واحدة، في أنّه لا يُعقَل استحقاق كل هؤلاء المحيطين به لملاماته المتكرّرة!. وواحدة، لأنّه حتى لو افترضنا فرضًا، وتصوّرنا في الخيال، أنّهم يستحقّون لَوْمه، وأنّ كلّ واحد منهم يستحق أكثر من ملامة على أكثر من أمر، فإنه مخطئ في اختيار من حوله، ولديه خللٌ في الانتقاء!.
ـ هناك ناس “لَوّامَة” بما يضيق به صدر المرء، شماليًّا كان ذلك الصّدر أم من أي جهة!.
ـ يحكي لي صديق عن شخص رماه بحفنة لَوْم، لأنه اكتفى بتعزيته هاتفيًّا، في فقْد عزيز. يقول صديقي: اعتذرتُ عن التقصير، وأخبرته أنّ وجودي في منطقة بعيدة عن منطقته صعّبت إمكانية الحضور، ظنًّا منّي بأنه كان يقصد عدم كفاية الاتصال ووجوب الحضور. لولا أنّه صدمني في سبب اللّوْم: “لم تكتب ردًّا على خبر الفقد في تويتر!. أنهى صديقي الاتصال بكلمات ودّ، لا علاقة لها بموضوع اللّوْم. وحَسَنًا فَعَل!.
ـ كلّنا لامَ في لحظة، وكلّنا قوبِل بملامات. اللّوْم في حدوده الضّيّقة جدًّا، واستعمالاته المُقتَصِدة جدًّا جدًّا، أمر طبيعي، يُمكن تفهّمه والتعامل معه، وتجاوزه إلى حياة أكثر رحابة. لكنه حين يصير صفة مُميِّزَة لأخلاقيات وطبيعة وحياة شخص ما، فإنه كارثة!.
ـ للجاحظ التقاطة رائعة: أكثر الناس عيوبًا أكثرهم تعييبًا!.
ـ هناك كتاب، لطيف وممتع، اسمه “صناعة اللَّوْم”. تأليف “ستيفَن فاينمان”. ترجمة “ماهر الجنيدي”. كتاب صغير الحجم، أنيق ورشيق، وأؤكّد للمرّة الثانية: ممتع. أمّا لطافته فهي لا تعني غياب العمق فيه وإنْ كانت تعني غياب التّخصّص: “هذا الكتاب ليس مرجعًا أكاديميًّا. لقد اخترت القضايا التي تهمّني، ويمكنني تفحّصها من خلال عدسات علم النّفس والاجتماع”!.
ـ لا يتّخذ الكتاب موقفًا متشنّجًا من اللَّوْم. يبحث بهدوء في أمره. يقدِّم حججًا ودلائل و”معتقدات” تشير إلى منفعته، معتبرًا أنّ “اللَّوْم” شرارة النقد الاجتماعي والسياسي العام، مؤكّدًا فائدته في المجال الثقافي أيضًا!.
ـ لكنه، ومتى ضاق مجاله، وصار فرديّ المنطلق والتّوجه والنّفعيّة، فإنه قد يتحوّل إلى افتراء، أو مَرض نفسي!. “كثيرًا ما نَلُوم بصوتين: الأوّل، عندما نكون نحن الجُنَاة، فنُقلِّل من تداعيات فعلنا على ضحايانا!. والآخر عندما نكون نحن الضّحايا، فنشكو من جور وظلم شخصي”!.
ـ بذلك يُشكِّل اللَّوْم “مُفارَقَة ضدّيّة غريبة: إنّه ضروريّ وعمليّ ومفيد، ولكنه أيضًا مُشتِّت للانتباه ومُدَمِّر”!.
ـ اللَّوْم حوّامٌ حول المِنَّة، حَوْمَ الضِّباع على الجِيفة!. ليس أخبث على صدر المرء من سُكْنى المَنِّ فيه!. إنّما اليد فرعٌ ومَجْرى وطَرَف!. واللسان فرعٌ ومَجْرى وطَرَف!. الأصلُ والمنبعُ والعمقُ في الصّدر!. لا يمكن لفرع ولا لمجرى ولا لطرف أن يطيب، إنْ خبُث الأصل وأَسِنَ المنبع وفسد العمق!.
ـ هجاءُ المَنّ لا تكفيه فقرة!. غدًا، بإذن الله، نخصّه بحديث مطوّل!.