|


مساعد العبدلي
رحل معلمي
2021-06-16
ـ لم أكن أعرفه على الصعيد الشخصي، وكنت مجرد قارئ من جملة القرّاء، أعرفه من خلال الاسم والحرف والطرح فقط.
ـ دخلت عليه في إحدى الفلل القديمة في حي الملز بالرياض، حيث مكتب صحيفة “الرياضية” حديثة التأسيس، وكنت عائدًا من الولايات المتحدة بشهادة عليا في الاقتصاد.
ـ رحب بي بلباقته وابتسامته المعهودة، وكان سؤاله الأول: لماذا تريد أن تقتحم مجال الإعلام الرياضي وأنت المتخصص في الاقتصاد؟ كان سؤالًا منطقيًا، لكنه في ذات الوقت عميق، ولم يكن تقليديًا.
ـ قال إذا كنت حضرت للإعلام بحثًا عن “الشهرة” فأنصحك بأن تغادر ولا تدخل هذا المجال، وإن كنت حضرت “حبًا وعشقًا” للإعلام وتفضله على مجالك وتخصصك فأهلًا بك، واعتبر هذا يومك الأول في الإعلام بشكل “عام”، وفي الإعلام الرياضي على وجه التحديد.
ـ أجبته دون تردد بأنني أرى نفسي في هذا المجال، وشعوري بأن “الموهبة في الإعلام” قد تكون أفضل من “التخصص في الاقتصاد”، وكانت البداية من ذلك اللقاء.
ـ تحدث معي بشكل مطول عن الإعلام ومهنيته، وأن الإعلامي “الناجح” من يهتم بتطوير نفسه، ويحرص أن يكون “ولاؤه وانتماؤه” لوسيلته الإعلامية وللإعلام بشكل عام.
ـ نصحني ووجّهني مؤكدًا أن الإعلامي “يبدأ” من الميدان “يبحث” عن الخبر “ويتعب” من أجله ويتحمل كل “المعاناة”، وقال لي: “إنها مهنة المتاعب” لكن من يمارسها يعشقها ولا يغادرها.
ـ علمني كيفية البحث عن الخبر ومن ثم متابعته، وبعد ذلك كيفية كتابته بأسلوب يجذب القارئ، كما أكد على ضرورة المصداقية من خلال التحري من المصادر، لأن غياب المصداقية يعني “نهاية” الصحفي، وتبقى مثل هذه المواقف “السلبية” ملازمة للإعلامي طيلة مشواره.
ـ كان “أول” من يأتي للمكتب يتابع المراسلين المنتشرين ويأخذ منهم الأخبار “العاجلة” ويصيغها ويرسلها للمركز الرئيسي تفاديًا للتأخير، كان يهتم بالمصورين ويوجههم “للتميز” عن بقية زملائهم في الوسائل الإعلامية الأخرى، وكان “بنفسه” يختار الصور المتميزة قبل إرسالها للمطابع، كان مسؤول تحرير متميز للغاية.
ـ خلال حرب تحرير الكويت كنت مكلفًا من صحيفة “الرياضية” بتغطية الإيجاز اليومي لقوات التحالف، ويوم التحرير “26 فبراير 1991” كان لابد أن أرافق “كمحرر” مع القوات لدولة الكويت، ويومها “أصر معلمي” أن يرافقني، وبالفعل رافقني “بصفة مصور” وقدمنا رسالة وتغطية متميزة نتيجة خبرته الواسعة.
ـ سألته ذات يوم: لماذا ترفض الظهور التلفزيوني؟ أجابني: لا أحب الجدال، ولا أرتاح للضجيج.
ـ حضر بهدوء، عمل بمهنية، رحل بصمت، إنه معلمي “الكبير” سليمان الجمهور.. إلى جنة الخلد أبا فهد.