احتجت إلى سنوات طويلة لكي أعرف أن للسفر ثقافة، وعلى من يريد السفر إلى بلد ما أن يقرأ عنه ويطلع قبل أن يسافر إليه، لكي تكتمل فائدة ومتعة سفره، ولا يكتفي بالطقس الجميل وطعام البلد، لأن في كل بلد ما هو أكثر من الطقس والطعام، هذا إذا كان البلد يتميز بالأطعمة اللذيذة.
لم أتعرف على لندن التي أقمت فيها سنوات طويلة، كما تعرفت عليها في السنة الأخيرة قبل أن أغادرها، وبعد أن جلست وقرأت عنها واطلعت على مجلاتها والكتيبات التي ترشدك عن معالمها وما تتميز من صناعات تقليدية وأماكن تاريخية، حينها عرفت أن هناك حديقة للزهور تقع بالقرب من الشقة التي أسكن فيها، وأخرى للفواكه لا تبعد سوى عشر دقائق سيراً على الأقدام، وبحيرة لصيد السمك بعد ثلاث محطات بالقطار، وعدة أسواق شعبية تقام مرة في الأسبوع، ورحلات يومية بالقوارب عبر النهر القريب، وعلى بعد ميل واحد سوق مخصصة لبيع التحف القديمة يأتي إليه السياح من كل أنحاء العالم، وعلى بعد ثلاث عمارات محل للعطور عمره أكثر من مئة عام ومازال يبيع عطورًا عمرها ضعفي عمري، أما المقهى الذي يقع مقابل العمارة ولم أجلس فيه يوماً فعمره أكثر من 60 عاماً ويشتهر بفطيرة الفطر، وعرفت أن الذواقة الذين يزورون لندن يحرصون على تناول الفطيرة قبل أن يغادروا، كان هناك مبنى طالما مررت بجانبه دون أن أعرف أنه مكتبة ضخمة فيها عشرات الآلاف من الكتب وسأحتاج إلى أيام لكي أقرأ عناوين كتبها، أما محطة القطار التي كنت أستخدمها دائماً دون أن أعرف تاريخها “بيكر ستريت” فكانت المحطة الأقدم في أوروبا.
كل هذا الجهل عن المكان الذي كنت أعيش فيه لأنني لم أكن قد تعلمت ثقافة السفر، ولأنني وبمجرد وصولي وجدت نفسي أسأل عن المطاعم العربية، وأيهم لديه شاورما أفضل، وبدلاً من معرفة المنتجات الغذائية البريطانية ذات المعايير الصحية العالية كنت أشتري الأطعمة من البقالات العربية مرتفعة الثمن، وبدلاً من أن أشرب القهوة في المقاهي الإنجليزية العريقة بخدمتها المتميزة، كنت أجلس في المقاهي العربية المليئة بروائح الشيشة والصخب، وبدلاً من أن أزور شوارع لندن التاريخية وجدت نفسي أدور في شوارع لا أسمع فيها إلا لهجات عربية.
كان في السنة الأخيرة شيء من تعويض بعض ما أضعته، لكنها لم تكن كافية، وعندما غادرت كنت أعلم جيداً بأنني لم أتعرف على لندن وحقيقتها، لكنني تعلمت كيف أطبخ “كبسة” في أقل من ساعة! طوال سنوات بعيداً عن لندن كنت أعتذر من نفسي وأعدها بالتعويض إذا جاءت الفرصة، وعندما عدت من جديد كنت أعرف هذه المرة من أي باب أدخل، واكتشفت لماذا يُكتب عن لندن، ولماذا تعتبر محطة العالم.
لم أتعرف على لندن التي أقمت فيها سنوات طويلة، كما تعرفت عليها في السنة الأخيرة قبل أن أغادرها، وبعد أن جلست وقرأت عنها واطلعت على مجلاتها والكتيبات التي ترشدك عن معالمها وما تتميز من صناعات تقليدية وأماكن تاريخية، حينها عرفت أن هناك حديقة للزهور تقع بالقرب من الشقة التي أسكن فيها، وأخرى للفواكه لا تبعد سوى عشر دقائق سيراً على الأقدام، وبحيرة لصيد السمك بعد ثلاث محطات بالقطار، وعدة أسواق شعبية تقام مرة في الأسبوع، ورحلات يومية بالقوارب عبر النهر القريب، وعلى بعد ميل واحد سوق مخصصة لبيع التحف القديمة يأتي إليه السياح من كل أنحاء العالم، وعلى بعد ثلاث عمارات محل للعطور عمره أكثر من مئة عام ومازال يبيع عطورًا عمرها ضعفي عمري، أما المقهى الذي يقع مقابل العمارة ولم أجلس فيه يوماً فعمره أكثر من 60 عاماً ويشتهر بفطيرة الفطر، وعرفت أن الذواقة الذين يزورون لندن يحرصون على تناول الفطيرة قبل أن يغادروا، كان هناك مبنى طالما مررت بجانبه دون أن أعرف أنه مكتبة ضخمة فيها عشرات الآلاف من الكتب وسأحتاج إلى أيام لكي أقرأ عناوين كتبها، أما محطة القطار التي كنت أستخدمها دائماً دون أن أعرف تاريخها “بيكر ستريت” فكانت المحطة الأقدم في أوروبا.
كل هذا الجهل عن المكان الذي كنت أعيش فيه لأنني لم أكن قد تعلمت ثقافة السفر، ولأنني وبمجرد وصولي وجدت نفسي أسأل عن المطاعم العربية، وأيهم لديه شاورما أفضل، وبدلاً من معرفة المنتجات الغذائية البريطانية ذات المعايير الصحية العالية كنت أشتري الأطعمة من البقالات العربية مرتفعة الثمن، وبدلاً من أن أشرب القهوة في المقاهي الإنجليزية العريقة بخدمتها المتميزة، كنت أجلس في المقاهي العربية المليئة بروائح الشيشة والصخب، وبدلاً من أن أزور شوارع لندن التاريخية وجدت نفسي أدور في شوارع لا أسمع فيها إلا لهجات عربية.
كان في السنة الأخيرة شيء من تعويض بعض ما أضعته، لكنها لم تكن كافية، وعندما غادرت كنت أعلم جيداً بأنني لم أتعرف على لندن وحقيقتها، لكنني تعلمت كيف أطبخ “كبسة” في أقل من ساعة! طوال سنوات بعيداً عن لندن كنت أعتذر من نفسي وأعدها بالتعويض إذا جاءت الفرصة، وعندما عدت من جديد كنت أعرف هذه المرة من أي باب أدخل، واكتشفت لماذا يُكتب عن لندن، ولماذا تعتبر محطة العالم.