|


براداريتش.. دوق صامت يخترق الأعداء بلمسة

الرياض - عبدالرحمن عابد 2021.07.29 | 01:43 pm

تقاسيم وجهه صامتة، وجسده يخترن دماء تاريخ البلقان، يتعامل مع المباريات كقائد في غرفة علميات حربية، يعد الكرة بمثابة رصاصة يجب أن تصل إلى هدفها المنشود، كما أن تمريراته الدقيقة تخترق صفوف الأعداء بلمسة، مستفيدا من ذكائه وطوله وعينيه الثاقبتين، حيث يؤمن بالمثل الكرواتي القائل "بلا مخاطرة لن تجد العائد".



ولد فيليب براداريتش في 11 يناير 1992 بمدينة سبليت، ثاني أكبر مدن كرواتيا ووجهتها السياحية الشهيرة، إذ تقع على الشاطئ الشرقي للبحر الأدرياتيكي أحد فروع البحر الأبيض المتوسط، ويعمل مواطنيها في بناء السفن العملاقة وناقلات الحاويات البحرية، بالإضافة إلى ما تتمتع به المدينة من تاريخ عريق بتأسيسها على يد اليونانيين في القرن الثالث قبل الميلاد، واحتضانها الإمبراطوريات الرومانية والإغريقية واليوغسلافية، فأصبحت شاهدة على قرون قديمة وخليط من حضارات انتهت.



لكن الطفل براداريتش حين فتح عينيه لم يكتب له الاستمتاع بجمال مدينته السياحية التي كان رجالها يخوضون حربًا مع الجيش الكرواتي ضد الجيش اليوغسلافي ضمن حروب الاستقلال التي خاضتها دول التي خضعت لهيمنة الاتحاد اليوغسلافي قبل تفككه 1991، وحتى بعد مرور خمس سنوات في عمر الطفل الصغير، لم يكن هناك حديث في البلاد سوى الحرب قبل أن تنتصر كرواتيا ويعود لسبيلت وجهها الهادئ مرة أخرى.



كان من الطبيعي أن يقع برادريتش في حب كرة القدم منذ الصغر، فالألعاب المتاحة للتسلية في بلد خرج لتوه من عالم الاتحاد اليوغسلافي المغلق لم تكن كثيرة، ناهيك عن حروب الاستقلال وأناشيد الحماس والدماء التي تصدرت الصحف آنذاك، وتلك كلها عوامل دفعت الطفل الصغير إلى الركض بالكرة التي وجد فيها سلوانه عن كل هذا العالم الذي لا يلائم طفولته.



لكن سرعان ما ذهبت سنوات الطفولة وما كان شغفًا أصبح عملًا حين التحق فيليب بأكاديمية هايدوك سبيليت للشباب ليبدأ مسيرته الكروية التي غلب عليها الطابع الوطني ففي عام 2011 لعب في نادي هايدوك سبليت وقضي فيه 4 سنوات ثم نادي رييكا الكرواتي عام 2015، والذي استطاع فيه تحقيق نجاحا ملحوظا أدى لاستدعاءه للعب في منتخب كرواتيا لأول مرة عام 2016.
ورغم طبعه الانعزالي الذي حرمه الظهور الإعلامي، إلا أنه حينما التحق بالمنتخب كان على موعد مع صداقة نجم المنتخب الكرواتي لوكا مودريتش الذي يعده براداريتش الأفضل عالميًا في اللحظة الراهنة، أما اللاعب الذي تعلم منه كثيرًا في السابق كان النجم الإيطالي بيرلو.



ولأنه لا أحد يعرف كيف تسوق الحياة أقدارها، فلم تتجاوز مشاركاته مع كرواتيا 6 مباريات دولية، لكنه كان ضمن اللاعبين المشاركين في كأس العالم 2018، والذي حصد فيه الفريق الأزرق والأحمر المركز الثاني بقيادة زلاتكو، بل ولعبت الصدفة لعبتها حين شارك بدلًا من صديقه مودريتش في أحد المباريات. وفي نفس العام كان صاحب الـ29 الذي يقدس النظام والروتين اليومي، على موعد مع أول تجربة احترافية حين انتقل إلى نادي كالياري الإيطالي بموجب عقد لمدة 5 سنوات، ولم تكن الأجواء الإيطالية غريبة عليه، فكل ما حدث إنه انتقل من سبليت المطلة على البحر المتوسط إلى جارتها سردينيا، فلازمته السفن أينما ذهب، بالإضافة إلى توجد مواطنيه داريو سرنا وماركو باجاتش اللذان لعبا لكالياري في نفس الفترة.



رغم تلك الظروف المشجعة لم تكن التجربة الإيطالية لفيليب بالجيدة فلم يشارك إلا في 29 مباراة فقط ولم يحصل على فرصة للعب كأساسي، ثم أصيب بعد ذلك بفيروس كورونا فاضطر إلى الجلوس في البيت 5 أشهر ، فيما لم يخطر على بال فيليب العاشق لنادي إنتر ميلان والذي لعب مع كالياري ضد يوفنتوس بقيادة رونالدو، أن محطته المقبلة ستكون عربية، ففي فترة مرضه جرت مفاوضات بينه وبين نادي العين السعودي انتهت إلى إنتقاله، وخلال موسم واحد مع العين استطاع صنع أهداف كثيرة بالإضافة إلى دقة تمريراته التي وصلت 85% بحسب بعض الإحصاءات الرياضية، وهو ما ساهم في حفظ استقرار قيمة براداريتش السوقية بمبلغ يناهز 3 ملايين يورو سنويا.



عاش حياة هادئة في العين مع ابنه لوكا وزوجته ميلاني التي جمعت بينهما قصة حب ما يزالان يتغنيان بها، ورغم حبه للعزلة بجلوسه في المنزل، تبدو زوجته أكثر انطلاقًا منه، فبجانب ترويجها لمستحضرات التجميل والعطور عبر انستغرام، يبدو أنها وقعت في غرام الزي الخليجي النسائي وباتت ترتدي العباءة باستمرار ترافقها القهوة العربية، وهو ما زادها جمالا في عيون الصحف الأوروبية أثناء مونديال موسكو، والذي تلاه تتويج زوجها بوسام الدوق برانيمير الذي يمنح للكرواتيين المتميزين دوليا، فهل يعيد برادريتش المراسم الملكية في الأهلي بعد أن فُتحت أبواب القلعة على مصراعيها الموسم الماضي؟.