|


أحمد الحامد⁩
شجاعة البداية
2021-08-15
آخر دراسة أمريكية تشير إلى أن الكثير من الأمريكان وبعد عام ونصف من كورونا لم يعودوا يهتمون بأخبارها وكل ما كانت تثيره من قلق وخوف، اعتادوا عليها وعلى أرقام الوفيات، أعتقد أن ما حصل للأمريكان حصل لغيرهم في العالم، لأن خوف الإنسان في المقام الأول قد لا يكون من الحقيقة، بل من المجهول الذي لا يعرفه، وبمجرد أن عرف كورونا واعتاد عليها تبدد خوفه رغم أن خطرها لم يتبدد وأرقام الوفيات في ارتفاع.
لو فكرنا بكل ما كنا نخاف منه نجد أن خوفنا كان في مرحلة البداية، مرحلة الغموض، ونجد أن الخوف زال بعد ممارستنا ودخولنا مرحلة التعود، نخاف ونحن نتعلم قيادة السيارة ثم نقودها دون خوف، نخاف الغرق ونحن نتعلم السباحة لكننا نغطس عميقاً بعد أن نتعرف ونعتاد على البحر وبرك السباحة، ثم تصبح لحظات الخوف والقلق التي انتابتنا في البدايات مجرد حكايات للتسلية والضحك، مع أن الخطر مازال قائماً سواء من الغرق أو حوادث السيارات أو حتى كورونا وكل ما سببته من أحزان.
أساس هذا المقال هو الفكرة التي قفزت في تفكيري بعد ما قرأت الدراسة الأمريكية وآمل ألا أفشل في إيصالها، وبعد أن نتفق أن خطر كورونا مازال قائماً وعلينا توخي الحذر بشدة، وأن نقود سياراتنا حسب الأنظمة المرورية، ونتقيد بالتعليمات المكتوبة بجانب برك السباحة والشواطئ: كم عدد الأفكار المشروعة التي تنازلنا عنها لأننا كنا نخاف تنفيذها رهبة من المجهول؟ وهل هي نفسها التي سنعتاد عليها إذا ما قمنا بتنفيذها وستصبح مشاعرنا تجاهها تشبه كل شيء كنا نخافه ثم اعتدنا عليه وصار أقرب إلى العمل المعتاد مثل قيادة السيارة والسباحة في بركة ماء؟ الإجابة التي وجدت نفسي تجيبها هي نعم، وأن كل ما تهربنا من تنفيذه من أفكار كان بالإمكان إنجازه لو أننا تخلصنا من خوف البداية، وأن البداية هي الخطوة الأولى الأهم في أي شيء.
ولأنني بدأت بكورونا فسأتحدث عن تجربة شخصية، في فترة الإغلاق والحظر والبقاء في المنزل، شعرت بالقلق من كورونا، لكن مدة البقاء في البيت طويلاً أتاحت لي المجال للتفكير في الماضي، حينها بدأت أشعر ببعض الأسف على بعض أفكاري التي لم أنفذها، وتوصلت إلى أن السبب كان في ترددي والخوف في البدء، ووجدت نفسي أقرب إلى الندم، فالجائحة التهمت كل خوف صغير، لأنها كانت أشد خوفاً، واتضح لي أن كل تخوفاتي كان مبالغاً فيها وعبارة عن أوهام لا أساس لها، ثم قررت إذا ما عادت الحياة إلى طبيعتها سأبدأ بتنفيذ أعز أفكاري، وعندما عادت الحياة شبه طبيعية وجدت نفسي هو ذاك الذي كان ومازال متردداً من اقتحام البداية. يقال إن الشجاع بصورة عامة هو من يمتلك المبادرة، هو من يبدأ أولاً، وكل أفكارنا التي نحبها لكننا نخشى تنفيذها تحتاج إلى شجاعة البداية، وعلينا ألا ننسى أننا عندما تعلمنا قيادة السيارة والسباحة كنا نملك هذه الشجاعة.