|


أحمد الحامد⁩
وصايا مدخّن سابق
2021-09-11
السيجارة الأولى التي دخَّنتها، كانت بسبب الفراغ، وكان تصرفي مناقضًا لقناعتي بأن التدخين ليس مضرًّا فقط، بل ورائحته سيئة، وهذا لا يليق! ثم إن التدخين لا داعي له، كما كنت أستغرب من كل المدخنين، كيف يرضون بأن يعقدوا مثل هذا العقد الذي لا يستطيعون الخلاص منه؟ كنت أراهم في غفلة، وفي حالة استسلام غريبة.
ولأن في السيجارة مواد إدمان، ولأنني كررت التجربة بعد السيجارة الأولى، فقد أصبحت مدخنًا، وتحوَّلت مَن شاب يلعب الكرة ساعتين دون توقف إلى لاهث بعد خمس دقائق من بدء اللعب، وصرت في ذلك العام، الذي بدأت التدخين فيه، رقمًا أضيف إلى أعداد المدخنين في العالم. لم أحسب عدد محاولاتي لقطع التدخين، 30 أو 40 مرة، أو أكثر، بعضها استمرت أيامًا فقط، وأخرى أسابيع، وواحدة بلغت نحو عام، كنت فيه أكثر صحةً ونشاطًا وتفاؤلًا. عندما أتأمَّل في محاولاتي الفاشلة، أكتشف أن أسباب التوقف إما صحية، مثل تعب في الصدر، أو بسبب حالات، تكون فيها المعنويات مرتفعة، والنظرة للمستقبل متفائلة، أما الحالات التي أعود فيها للتدخين فغالبًا تحدث عندما أكون محبطًا، ولا غرابة في صداقة الإحباط مع دخان السجائر، فشنٌّ يوافق طبقة. كنت أتحوَّل في المرة التي أتوقف فيها عن التدخين إلى داعية، يدعو المدخنين إلى التوقف عنه، لكنني لم أكن أتحدث عن أضراره، لأن المدخنين يعرفونها جيدًا. كنت أسرد لهم المزايا التي سيحصلون عليها إذا ما توقفوا عن التدخين، ولا ألتقي بصديق مدخن إلا وأحاصره من كل الجهات بكافة المميزات التي سيحصل عليها ابتداءً من نوم مبكر وغير متقطع، وصولًا إلى فوحان العطور التي تخفيها رائحة الدخان، لكنَّ عودتي للتدخين مرة أخرى، ومشاهدة السيجارة في يدي، كانت تثير سخريتهم وضحكهم: “وين اللي كان ينصحنا”؟! والحقيقة أنني كنت دائمًا بلا إجابة، ما عدا ابتسامة، يعلوها الضعف والإحباط، ثم يحين الوقت من جديد، ويهتف هاتف بداخلي، أو أمرُّ بوعكة صدرية، ألعن فيها التدخين وأمتنع عنه، فأعود داعيةً من جديد، لا أترك زميلًا لا أدعوه إلى التوقف عن التدخين، ولا أترك فرصةً لا أتحدث فيها عن مزايا ترك التدخين حتى للذين لا “أمون عليهم”. ولأنني كنت بعد مدة أعود مدخنًا، ويعود الأصدقاء والزملاء للسخرية، لذا اعتادوا على حالتي، وصاروا في كل مرة أدعوهم فيها إلى التوقف عن التدخين، يقولون لي: “نعرف كل ما ستقوله، ونعرف أنك ستعود مدخنًا”! هكذا أفقدني فشلي في التوقف عن التدخين قيمة كلماتي في هذا الجانب أمام أصدقائي وزملائي، الذين أشعر دائمًا باحترامهم وتقديرهم لي في الجوانب الأخرى.
اليوم أكملت شهرًا كاملًا دون سيجارة واحدة، ولأن الأصدقاء والزملاء من المدخنين لا يهتمون بما أقوله عن مزايا ترك التدخين، إذ أصابهم الممل من نصائحي، ثم عودتي إلى التدخين، فلم يعد أمامي سوى المدخنين من القرَّاء لأقول لهم: “تخيَّلوا عودة أنفاسكم العميقة بعد توقفكم عن التدخين، وستلاحظون كيف أنكم استعدتم نشاطكم وقوة جسدكم، أما العطور، فستكون نفَّاذة، وسيسأل أصدقاؤكم عن أسمائها، كما ستوفرون المال لينفعكم في مصاريف أخرى، ولن تكونوا ضمن سبعة ملايين إنسان يموتون بسبب التدخين كل عام”.