معركة الدراجات النارية التاريخية تتجدد في رالي داكار السعودية 2022
ينتظر عُشاق السرعة والتحدي رالي داكار كل عام ليكون باكورة فعاليات رياضة المحركات في العالم. وفي الأعوام الأخيرة باتت الأنظار تتجه نحو المنافسات على أرض المملكة العربية السعودية مطلع يناير المقبل بين هؤلاء المغامرين الذين يكملون مشوار مؤسس الرالي الراحل تييري سابين، الذي وصف مغامرة رالي داكار بأنها «سبب يجعل هؤلاء من يبقون في الخلف يحلمون! »
ومنذ أواخر سبعينيات القرن الماضي حفر دراجون أسماؤهم في السجلات الذهبية للرالي أمثال سيريل نوفو وكريستيان رياييه وجان كلود موريلليه المُلقّب بـ "فينويل، وهوبار أوريول. وسطع نجم هذه الأسماء منذ النسخة الأولى لرالي داكار.
وغابت سيارات الانتاج التجاري عن هذه النسخة الأولى من الرالي نظرًا لاقتصار المنافسات على السيارات النموذجية أو تلك المُعدلة في تلك الآونة، في حين قدّمت بيجو سيارتها 504 الشهيرة ثُنائية الدفع ليستخدمها الطاقم الطبي في حال الحدوادث أو حالات الطوارئ.
وحظي رالي داكار باهتمام إعلامي منذ نعومة أظافره، عندما حضر 20 صحافي يمثلون 13 وسيلة إعلامية لتغطية النسخة الأولى من الفعالية، التي تم فيها تطبيق نظام تصنيف موحّد لفئات السيارات والدراجات والشاحنات.
الحضور النسائي رافق الرالي منذ كيلومتراته الأولى، وشاركت 7 سيدات فيه وجميعهم على دراجات نارية، وتمكنت كل من مارتين دي كورتانزي وباسكال جوري ومارتين رينييه وماردينو وكريستين مارتان-لافورت وماري إيرتو وكورين كوبينهوغ من حفر أسمائهن في السجلات التاريخية للرالي.
واستمر المنافسون بالرالي ينطلقون من أوروبا ويعبرون خط النهاية في أفريقيا منذ عام 1979 ولغاية 2007، لينتقلوا بعدها ويجوبوا أرجاء القارة الجنوب أميركية منذ عام 2009 ولغاية 2019، قبل أن يحطوا رحالهم في أكبر دول منطقة شبه الجزيرة العربية وتحديدًا المملكة العربية السعودية.
وفي هذا الصدد، أشار الأمير خالد بن سلطان العبدالله الفيصل، رئيس مجلس إدارة الاتحاد السعودي للسيارات والدرجات النارية، إلى أن أولى مشاركات فئة الدراجات النارية في رالي داكار تعود إلى العام 1979، وهو ما يؤكد أهمية هذه الفئة ودورها في تعزيز انتشار السباق، مؤكداً أن فئة الدراجات النارية تعد الأصعب بين فئات رالي داكار، انطلاقاً من التكلفة الباهظة لأي خطأ يصعب تداركه في معظم الأحيان.
وقال الأمير خالد بن سلطان: «تؤكد القوانين واللوائح التي وضعتها الشركة المنظمة على أن حماية جميع السائقين والدراجين، مع مراعاة الحفاظ على الروح التنافسية في نفس الوقت، وذلك لتجسيد المقولة الأشهر "رالي داكار لمن يجرؤ فقط».
رالي داكار السعودي 2022
ويواصل الرالي كتابة مشوراه منذ عام 2020 في السعودية، التي تتميّز بصحاريها الشاسعة وتنوّع تضاريسها بين رملية وصخرية وحصوية، لتكون المسرح الأفضل والموطن الجديد الأمثل لأعرق رالي على وجه الأرض.
وفي العامين الماضيين، استكشف السائقون والدراجون مسارات من نوع جديد تنوّعت بين صحراوية وجبلية وشواطئ ساحلية، مرورًا بأشهر المعالم الطبيعية والأثرية في الأراضي السعودية، التي تفرض تحدياتها على السائقين والدراجين وآلياتهم والمهندسين على حد سواء نظرًا للتنوّع الكبير للمسارات التي تمتد لأكثر من 9000 كلم.
وبرهن رالي داكار السعودية أنه التحدي الأصعب في العالم، أمام أمهر الأبطال العالميين الذين علقوا في فخوخ رماله وتضاريسه، ومنهم من استسلم أمام العوامل الطبيعية لأرض السعودية، ومنهم الآخر من تحمّل مشقة المواصلة نحو خط النهاية.
منذ الكيلومترات الأولى، تكون السيارات والشاحنات والدراجات بمختلف فئاتها تحت وطأة أقصى الضغوط وفي أصعب الظروف المناخية والملاحية، فيتعيّن على الدراجين الاستعانة بتعليمات المسار بدقة وفي الوقت نفسه يركبون دراجاتهم بسرعات عالية في مختلف أنواع المسارات الوعرة والظروف القاسية، لكن دون أن يتشتت تركيزهم لأي لحظة، لأن أي خطأ قد يكلّفهم السقوط عن دراجاتهم أو يضلّوا مسارهم، وبالتالي يخسرون دقائق ثمينة قد لا يمكن تعويضها في معركة يسعون فيها لكسر أعشار الثواني في الكيلومترات.
وقدّمت فئة الدراجات أبرز الأبطال في تاريخ الرالي، فبات الفرنسي ستيفان بيتيرهانسل يحمل الرقم القياسي للفوز بهذه الفئة والسيارات أيضًا، بعدما حقق المركز الأول على العجلتين 6 مرات أعوام بين 1991 و1998، لينتقل بعدها للجلوس خلف عجلة القيادة ويًضيف إليها 7 ألقاب آخرها عام 2021، ليستحق لقب "مستر داكار" عن جدارة.
بطل آخر لمع اسمه في الدراجات وانتقل ليكون أيضًا من أبرز المنافسين في فئة السيارات، وهو الفرنسي سيريل ديبريه، الذي طوّر مهاراته التقنية والميكانيكية في الأعوام التي شارك فيها بفئة الدراجات وأحرز اللقب 5 مرات بين 2005 و2013، وكان لاعبًا أساسيًا في تشكيلة فريق بيجو عندما ساند زملائه في الفريق بيتيرهانسل وسيباستيان لوب مرات عديدة عندما تعرضوا لمشاكل ميكانيكية أو حوادث، وكان مساهمًا أساسيًا في مساعدة بيترهانسل للفوز بلقبه الأخير في الرالي.
ويتعادل ديبريه بالمركز الثاني كأكثر الدراجين فوزًا مع مواطنه سيريل نيفو، حامل كأس النسخة الأولى لرالي داكار والذي عاد ليفوز باللقب عام 1980 و1982 و1986 و1987، والإسباني مارك كوما صاحب الفوز بـ 25 مرحلة خاصة كانت ثمرتها 5 ألقاب بين 2006 و2015، قبل أن يتولى هذا الأخير منصب المدير الرياضي للرالي لفترة من الزمن، ومن ثم يعود ليجلس بالمقعد الساخن ويكون ملاحًا لمواطنه بطل العالم للفورمولا 1 فرناندو ألونسو في النسخة الأولى للرالي على أرض المملكة.
ألقاب الصانعيين
أما على صعيد الصانعين، فتنفرد «كيه تي أم» بعدد الألقاب بعد سيطرتها المُطلقة على الفئة منذ بداية الألفية الجديدة ولغاية عام 2019 إضافة إلى تحقيق التوقيت الأسرع في 222 مرحلة خاصة، في حين تحتل ياماها المركز الثاني كأكثر الصانعين فوزًا بالفئة، لكن الألقاب غابت عن خزائن الصانع الياباني العريق منذ عام 1998، فيما تتقدم هوندا على «بي أكم دبليو» بلقب واحد حيث تملك هوندا 7 ألقاب بينما تملك «بي أم دبليو» 6 ألقاب بعد أن حققت هوندا الفوز بالنسخة الأخيرة للرالي
ويُدرك ذلك صانع الدراجات النارية النمساوي العريق «كيه تي أم»، الذي اتقن حرفة الفوز برالي داكار وسيطر عليه لمدة 18 نسخة متتالية بين عامي 2001 و2019، إلا أن أرض السعودية لم تبتسم لغاية الآن لدراجة الـ «كيه تي أم 450 رالي» مع نخبة أبطال هذه الفئة أمثال توبي برايس وماتياس فالكنر وسام ساندرلاند، الذين سيعودون إلى رالي داكار السعودية وعينهم على كسر هذا الصيام الذي لم تعتد عليه الماكينات النمساوية، التي استعانت في نسخة عام 2021 بالدراج الموهوب والفائز بستة أيام من تحدي إنديورو دانيال سانديرز، الذي كان جزءًا من برانج الفريق لتطوير الدراجين اليافعين.
وتنظم النسخة الثالثة من رالي داكار السعودية بشراكة استراتيجية مع إذاعة ألف ألف، ويخوض فيها المشاركون مسارًا جديدًا، ينطلقون فيه من رمال حائل المليئة بالخبايا، وصولًا إلى يوم استراحة في الرياض لالتقاط الأنفاس، ليعودوا ويكملوا مشوارهم نحو خط النهاية على شاطئ البحر الأحمر في جدة. ويجتازون خلال 12 مرحلة، منها مرحلتان دائريتان ومرحلة ماراثونية واحدة، مسافة تتخطى الـ 9000 كلم بين مراحل وصل ومراحل خاضعة للتوقيت.