|


أحمد الحامد⁩
عبقرية البساطة
2021-10-09
صفةٌ مهمةٌ من مواصفات أنجح الشخصيات، أنها تقدم أفكارها بشكل “مبسَّط”، يفهمه الجميع، وهذه موهبة تضاف إلى قدراتهم. أحببت قصائد نزار لأنني استطعت فهمها، فاتصلت بقلبي، فلغتها هي لغة اليوم، والأقرب لما نتعاطاه في يومياتنا من كلمات، وإذا خُيِّرت بين “نزار” و”امرؤ القيس”، فسأختار نزار، ليس لأنه الأمكن بلاغةً، بل لأنني أحتاج إلى شرح وتفسير بعض كلمات ومقاصد شاعر أسطوري مثل “امرؤ القيس”، فهو شاعر تتطلب قصائده قارئًا خبيرًا باللغة، وأنا قارئ عادي، مثلي مثل الأغلبية.
ولأننا أغلبية، فقد غنَّى الفنانون لنا قصائد نزار، فهي الأسهل، وتركوا المعلقات الأعظم والأبلغ، لأنها الأصعب. يُحسب لبليغ حمدي، أنه بموسيقاه الشعبية قرَّب أم كلثوم من العامة “الغالبية” حتى صارت فنانة الصعيد الأولى، وأغانيها أكثر ما يستمع إليه الصيادون في مراكبهم، وبدو سيناء في خيمهم. أحبُّ نصف يوسف شاهين، النصف الذي أحبه هو الذي فهمته منه في أفلامه، عندما كانت لغته يفهمها كل الناس، وما زلت مدينًا له بما تركه في أعماقي من أثر بعد أن شاهدت فيلم “الأرض”، وبعد أن عرَّفني في هذا الفيلم على عبقرية فنان عظيم اسمه علي الشريف، أما النصف الذي لم اقترب منه، فهو النصف الذي لم أفهمه. الأكيد أن يوسف شاهين في عقول الناس هو “الأرض”، لأن لغته الواضحة جعلته ينفذ إلى القلوب والعقول معًا. البساطة لا تعني الضعف أبدًا، بل الابتعاد عن التعقيد، والاتجاه للمعنى بأقصر الطرق. في أيامي الأولى مع المايكروفون كنت أنتقي الكلمات التي كنت أعتقد أنها إذاعية، أحاول تفخيم صوتي قدر المستطاع، وأتقمَّص من الجدية ما أستطيع، حتى قال لي الأستاذ عبد الإله البراهيم، وكنا نسكن معًا، وكان حينها مشرفًا على الإذاعة: ما الذي تفعله، لماذا لا تكون كما أنت الذي نعرفه، لماذا لا تقول للمستمعين الكلمات التي تقولها لنا عندما نسير في الطريق وعندما نكون في شقتنا، لماذا تبدو شخصًا آخر؟ في البداية لم أكن مقتنعًا بما قاله، لكنني عندما نفذت طلبه وجدت نفسي التي أعرفها. عمومًا ولكيلا أبدو كمن تقصَّد أن يزج نفسه بين الأسماء التي ذكرتها، فأنا لم أنجح، لا وأنا أبالغ في التقديم الإذاعي.. ولا عندما أصبحت بسيطًا!.