|


د. عبد الرزاق أبوداود
متعصبون!
2021-10-10
التعصب “اعتقاد” أو تصرف ينطوي على اتخاذ مواقف عنيفة دونما “وعي”، جراء الغِيرة والحماس المفرط. وبذلك يكون هذا التوجه عبارة عن سعي ودفاع عن شيء ما بطريقة متطرفة وعاطفية.
أصبحت الرياضة، بأنماطها المختلفة، أنشطة حيوية للشعوب، محببة للنفس البشرية، “تنشر” المحبة والتسامح في كل البلاد والمجتمعات.
“تمارس” الرياضة أعداد متزايدة من الشباب، وهي انعكاس للرقي الاجتماعي والثقافي، خاصة إذا التزم ممارسوها بآدابها ونظمها ومعطياتها المتعارف عليها، ومن مفرداتها التنافس القوي على تحقيق الانتصارات والبطولات وصناعة الأمجاد.
وتبرز الرياضة في أشكال مختلفة على هيئة مباريات ومنافسات محلية وإقليمية وعالمية، وتصاحبها ممارسات ومظاهر سلبية، تتمحور فيما يسمى “بالتعصب الرياضي”، وهو “اندفاع” فئات من الناس أو الجماهير للتحيز لفريقهم المفضل، على درجات ومستويات معينة.
ويأخذ هذا “التعصب” أشكالًا مختلفة، كالهتاف والصفير، والتصفيق والتشجيع، والتزاحم والرقص، والأهازيج التي تتحول تدريجيًا إلى شتائم وسباب، وإسقاطات واشتباكات لفظية، ومن ثم مناوشات جسدية، وما ينتج عنها من مشاكل وأضرار ومؤشرات مؤسفة، وربما تتجاوز ذلك إلى الصراعات والحروب، كما حدث في أمريكا اللاتينية بين دولتي الهندوراس والسلفادور، وما فعله “الهوليجانز” في إنجلترا، وهي تصرفات سيئة، تترك آثارًا أكثر سوءًا وضررًا بين الجماهير وفئات المجتمع، خاصة بعد التطور المتواصل لوسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة استخدامها دون حسيب أو رقيب.
وتتمثل مسببات التعصب الرياضي كذلك في: الجهل، وضعف الثقافة، وانعدام الروح الرياضية، والنعرات العنصرية والأنانية والحقد والحسد، والشعور بالنقص، والاحتشاد الطائفي والمناطقي والجهوي العقيم.
احتفال جمهور ما بفوز فريقه أمر “اعتيادي”، ولكنه قد يتحول إلى ممارسات مقيتة كالسخرية والغمز واللمز التي تسهم في إضعاف الروح الرياضية، وتبث الضغينة في المجتمعات الرياضية.
من نتائج التعصب الرياضي انقلاب أفراح اللعب، والتنافس، إلى “مآسٍ”، تتمزق عبرها الصلات، وتكثر فيها “العدائيات”! فتمتد الأيدي، وتنفجر الألسن، وتنتشر البغضاء! وكم من مباراة جلبت الويلات، ووقعت عبرها الضحايا، نتيجة عراك، أو زحام، أثناء التشجيع.
وهناك بلاد ارتفعت بها سحب العداوة والمواجهة جراء التعصب الرياضي، الذي كان من الممكن تجنبه بالوعي، والتثقيف الإعلامي، عبر الأدوات الإعلامية المتعددة، فكل المظاهر أعلاه لا تمت إلى الروح الرياضية الرفيعة بصلة، وتدفع بالرياضة بعيدًا عن هدفها السامي، وكلما كان الفريقان الرياضيان ومشجعوهما على درجة عالية من الوعي بأخلاقيات التنافس، فإن الرياضة تبدو أكثر متعة وجمالًا، وتتوثق بها عرى التواصل، ويشتد عبرها نسيج الترابط الاجتماعي، فتكون سماتها مهدًا للاحترام والتسامح، أكثر منها محطة للكراهية والصراعات.