|


دي ستيفانو... أوزيبيو.. زيدان.. مهاجرون توشحوا بالمجد

الرياض – عبدالرحمن عابد 2021.11.17 | 02:57 pm

يعتبر النفط مهدرا، في حال تصدير الزيت الأسود الخام، وتجنب إنتاجه مجددا في مصافي التكرير، بغرض استخراج الكيميائيات وزيوت الأساس ومواد التشحيم والهيدروجين، والأمر هنا يشبه المواهب الكثيرة التي أنجبتها المملكة، ولم تستفد منها كرويا لعقود بسبب القوانين، بينما اليوم انتهت القصة بمنح الجنسية السعودية لكل من هارون كمارا ومختار وعبدالفتاح آدم.



رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" تأسس في عام 1904، ككيان منظم للمباريات الدولية بين الدول، وكلاعب رئيسي في توحيد اللعبة برمتها وعولمتها، إلا أنه ظل عقودا بلا قواعد ولا قوانين متعلقة بالأهلية الوطنية. وفي بحث شامل أعده ثلاثة من أساتذة جامعة "إيراسموس روتردام"، توصلوا إلى بعض وثائق المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا، والذين أكدوا أنه كان من المقبول قانونيا وأخلاقيا تمثيل منتخبين مختلفين في كأس العالم، كحالة لويس مونتي الإيطالي الأصل/الأرجنتيني الهوية، والذي خاض نهائي مونديال 1930 بقميص التانغو أمام الأوروغواي، وبعد 4 سنوات شارك في تتويج إيطاليا بكأس العالم.



يقول الأستاذ الهولندي فان كامبنهاوت ومعاونه جوست يانسن، إن تاريخ التجنيس مع عالم الساحرة المستديرة، مر بثلاث مراحل، بدأت بعصر الشتات في بداية حقبة الثلاثينيات، وجاء هذا المصطلح من "التريند" الشهير آنذاك بالتشتت الجماعي لليهود والأرمن والأفارقة في كل بقاع الأرض، فيما كانت الكلمة تشير إلى اللاعبين غير المتصلين بوطن الآباء والأجداد، وهؤلاء كانوا محظوظين بفرصة تمثيل بلد الأب أو الأم، طالما ما زالت تربطهم علاقات عرقية بالوطن، بجانب اللعب لبلده الذي وُلد وترعرع فيه، حيث كانوا يُشيرون إلى أنفسهم أنهم متواجدين بين عالمين مختلفين.



استغل رئيس وزراء إيطاليا والزعيم الفاشي السابق، بينيتو موسيليني، هذه الميزة، لتجنيد ألمع أبناء الشتات، حتى لو كانوا مؤهلين لارتداء قميص الأرجنتين والبرازيل، فيما أطلقت عليهم الصحافة المحلية آنذاك لقب "أوريوندي" وتعني الإيطاليون المستوردون، وهم من آباء إيطاليين غادروا واستقروا في أمريكا الجنوبية، لكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، برفض شعبي كبير للخماسي الأوريوندي، الذي لعب في مونديال 1934، وأيضا كل من يندرج تحت مسمى "غير إيطالي" مثل أبناء اليهود والغجر الذين ترعرعوا في موطن البيتزا، في حالة عُرفت بتفضيل العرق الأصلي على مكان الولادة، إلى أن انشقت إيطاليا عن اتفاقية عصبة الأمم 1936، وكان ذلك بسبب المفهوم السائد في البلاد بأن "اللعب لبلدين مثل رجل له زوجتان".



وجاء المنعرج الثاني في تاريخ التجنيس مع كرة القدم، أواخر الثلاثينات وحتى بداية التسعينات، تحديدا منذ تجربة ألمانيا، والتي بدأت باستفزاز الزعيم النازي أدولف هتلر، بتلقيه طلبا من قبل رئيس الحكومة النمساوية آرثر سيس إنكوارت، لإعادة بلاد الرايخ مرة أخرى، وقتها أمر هتلر باحتلال فيينا عام 1938، ليصبح المنتخب النمساوي جزء من الاتحاد الألماني، وذلك بعد حل الاتحاد النمساوي وحرمانه بقرار سيادي من اللعب في مونديال فرنسا في نفس العام، أوصى هتلر باستدعاء نصف تشكيلة النمسا، لتدعيم صفوف كتيبة المانشافت في كأس العال وسط رفض النمساوي ماتياس سينديلار الذي عثر عليه مقتولا رفقة صديقته.



مع استقرار الحياة الاجتماعية لسكان كوكب الأرض، وعودة الحياة تدريجيا إلى ما كانت عليه قبل أهوال الحرب العالمية الأخيرة، قفزت شعبية اللعبة إلى مستويات غير مسبوقة في كل أنحاء العالم، وذلك بفضل التقنيات الحديثة آنذاك، التي بدأت في الانتشار ومرحلة غزو المنازل في بداية الستينات، كالراديو والتلفاز، تزامنا مع أوج عصور الصحف والمجلات المطبوعة، وحاليا منصات السوشيال ميديا، الأمر الذي ساهم في زيادة الوعي والثقافة الكروية لدى الأغلبية، وبالتبعية تعاظمت أهمية المشاكل والأزمات، والتي لعبت دورا على المدى القصير في الارتقاء بقوانين فيفا بخصوص قوانين الجنسية غير المنظمة، وكان ذلك على خلفية الضجة التي أثيرت لاحقا حول الأسطورة ألفريدو دي ستيفانو.



في مؤتمر فيفا الثالث والثلاثين، والذي انعقد في العاصمة التشيلية سانتياجو عام 1962، وضعت المؤسسة حدا لهذا الجدل، بتعديل القواعد واللوائح الخاصة بتبادل الجنسية، بموجبها انتهت رفاهية اللعب لأكثر من منتخبين، بعبارة أخرى، اللاعب الذي يختار منتخب ويمثله لا يحق له تبديله مدى العمر، باستثناء الدول التي تتأثر بالاستقلال أو تغير الحدود، نزولا إلى ضغوط الرأي العام والصحافة العالمية، بعد حالة دي ستيفانو، الذي لعب لوطنه الأصلي الأرجنتين ست مباريات، ثم حّول وجهته للمنتخب الإسباني، بخلاف مبارياته الأربع مع المنتخب الكولومبي، والتي لم تسجل في لوائح فيفا، لعدم إدراج كولومبيا من الدول المعترف بها آنذاك، لأسباب تتعلق بانتهاك قواعد التوقيع مع اللاعبين.



شهدت تلك الحقبة، تحايلا جديدا على قواعد فيفا، فيما وصفته الدراسة الهولندية بالمستوى الثالث في تاريخ التجنيس مع الكرة، والذي تبنته الدول الاستعمارية، التي عرفت كيفت تصنع لنفسها إمبراطوريات حربية خارج الحدود، والنموذج الأول كانت البرتغال، بأمر من الديكتاتور أنطونيو دي أوليفيرا سالازار، بدمج مواهب المستعمرات من البرازيل والرأس الأخضر وأنجولا وموزمبيق مع نجوم المنتخب، لاعتقاده بأن هذا الدمج، سيساعد في زيادة فرص البرتغال في تحقيق الانتصارات، خاصة بعد الانكسار أمام النمسا بنتيجة 9-1 والانحناء أمام العدو الأزلي الإسباني 5-1.



جنى سالازار ثمار نظرته البعيدة، بحصول البرتغال على المركز الثالث في مونديال 1966، بمشاركة 4 لاعبين من المستعمرة الموزمبيقية، أشهرهم اللؤلؤة السوداء أوزيبيو، والذي رفض الديكتاتور انتقاله إلى الدوري الإيطالي، بحجة أن الأفريقي الأصل بمثابة كنز وطني، بينما المثال الثاني فهو المنتخب الفرنسي، الذي حقق كأس العالم مرتين بقوام رئيسي، جُله من الأفارقة وأبناء المستعمرات، الذين فضلوا تمثيل الديوك والاستفادة من بنيتها التحتية، آخرهم بوجبا وكانتي وإمبابي وديمبلي وكيمبيبي في 2018.



وتبقى المفارقة الأغرب في التجنيس، ما اكتشفه الروائي الفرنسي ديدييه دينينكس، أن جد اللاعب كاريمبو، الذي فاز مع الديوك بكأس العالم 1998، جاء إلى باريس في أوائل الثلاثينات، كجزء من حديقة الحيوانات البشرية، والمثير للريبة، أن الحفيد ما زال يُعامل باحتقار مثل جان ماري لوبيان السياسي اليميني المتطرف، والذي ووصف كاريمبو، باللاعب غير المحترم، كونه لا يردد النشيد الوطني، فيما برر صاحب الشأن بأنه لن ينسى ما فعلته فرنسا في وطنه ميلانيزيا. أما أكثر اللاعبين الذي استفادوا من استثناء الاستقلال وتمدد الحدود، فهم مواليد يوغسلافيا الكبرى، بانفصال كرواتيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك، ثم صربيا والجبل الأسود.



وصف مراسل "فاينشنال تايمز" سيمون كوبر، المنتخب المغربي بالأوروبي، لكم النجوم المحترفين الهائل متمثلا في 17 لاعبا من أصل 23 مغربيا، ولدوا وعاشوا حياتهم خارج المغرب، إذ نجحوا في إعادة أسود الأطلس إلى كأس العالم بعد 20 عاما عن الحدث الأهم في اللعبة، كأفضل استفادة مغربية من تعلم أبنائها المواطنين في بيئة أكثر حداثة وتقدم كروي، مقارنة بالمتاحة في الديار، وبالمثل تسير الجزائر على نفس النهج، بتتبع طيورها المهاجرة كما حدث مع رياض محرز قبل أن تخطفه فرنسا كما فعلت مع زيدان، أو ألمانيا التي عدلت قوانينها من أجل مسعود أوزيل، فهل تنجح السعودية في اغتنام فرص كهذه في المستقبل؟.