|


تركي السهلي
المُدرّب الإنسان
2021-11-20
الحياة ليست ركضًا دائمًا نحو العيش. التفاصيل الماكنة في النفس تجعل منك صاحب قيمة. قصّتك الكبيرة أنت من يكتبها والرواة غيرك. الأثر الطويل المتروك بمثابة جبل. الماء النازل إلى الأرض أتى من علوّ. الشمس تعطيك نورًا والوضوح في العقل. البدايات منك والنهايات لك والأسفار المقطوعة على ظهرٍ لا تتمّ إلّا من فوق. الفقر قاسٍ والأسرة سلاح المقاومة. اللقمة التي أكلتها في ليلٍ بارد من على رصيفٍ وأنت تتضوّر جوعًا ستتذكرها عندما تجلس على مائدة عامرة. الهدف الموضوع أمامك لا يغيب عن الذهن حينما تمسك به.
كُرة القدم عالم جميل حين بنائه في بيئة صالحة. هيرفي رينارد كان إنسانًا قبل أن يكون مُدرّبًا.
استمعت إلى كفاحه ورحلة فشله وخوفه وضيق ذات يده بدءًا من الصين إلى فيتنام ومرورًا بإنجلترا. لم يكن مسكينًا في مساراته بل كان مدفوعًا بأولاده وزوجته وانتقالاتهم من مدينة إلى أخرى ومن مدرسة إلى ثانية. في فيتنام كان بينه وبين صغاره مسافة صعبة فاختار أن ينام بعيدًا عنهم بعض الأيّام في غرفة خشبية صغيرة.
كان الفرنسي الطويل نبيلاً كرجل ولم يكن مستعمرًا وقتما حطّت خطاه في أدغال إفريقيا. بدأت الخيرات في يده وهو يجول القارّة السمراء وانتهى به التقلّب. الآن يسكن مسكنًا فاخرًا في الدولة الغنيّة بكل شيء لكنه لم ينسَ دخول الماء عليه في غرفة الخشب حينما كانت عائلته تبعد عنه في “بنوم بنه” وهو بين الصبية لا يُظهر لهم البكاء. كم هي ملهمة قصص بناء الذات. كم هو جميل أن نتعرّف على الجوانب الأخرى لكل اسم أصبح كبيرًا. من رحلة رينارد الطويلة نصل إلى أن المُدرّب تركيبة شخص قبل أن يكون سيرة تدريب وهو ما لا تصل إليه أنديتنا. لا يفتّشون عن الإنسان في داخله فيتورطّون بأصحاب زيف وخداع وتتحسّر الجماهير وتضيع الأموال. اذهبوا دائمًا نحو المحيط لا إلى الخارطة المرسومة وستجدون أنّ هناك ما يدفع للتعاقد. ابحثوا عن الممرّات والدمعات والضحكات والمسافات والوقفة الأخيرة وستجدون مؤثرًا ينقلكم إلى محطّة جديدة. اجعلوا من الإنسان المليء بالمثابرة مفتاحًا لكل باب وستدخلون إلى الباحات منتصرين. لا تنسوا أن مدرب المنتخب السعودي الآن والناجح معه حتى هذه اللحظة كان مسافرًا بلا متاع إلّا من أطفال وزوجة ومدن بعيدة وعينين لا تخجلان من الأدمع. إلى كل رئيس نادٍ: لا تستمع إلى وكيل أو وكالة.. بل اقرأ السير.