|


عندما قال جارديم لرئيس النصر:« فريقك لن يحقق الدوري»..!!

الرياض - صالح الخليف 2021.12.15 | 02:15 pm

بين النصر والهلال تاريخ ممتد من الصراعات والخلافات والنزاعات.. تاريخ ممتد من أسرار مغيّبة وراء حوائط الكتمان التي أريد لها أن تبقى مجرد حكاوي متواترة لا يمكن التوثق من صحتها إلا بعد فوات الأوان.. داخل الملعب هناك أرقام يجتهد السعاة من الطرفين لتمييل رياحها العاتية إلى مضاربهم لعلها تعينهم حين يشتد وغى حرب الحناجر الغابرة وسط أدغال الفضاء المفتوح..
هناك عراك من نوع خاص جدًا يملك هو الآخر تاريخًا طويلاً وصاخبًا في معادلة العاصميين الكبيرين.. بدايتها من العجوز البرازيلي ماريو زاجالو المتمسك بالحياة حتى الآن متجاوزًا التسعين ربيعًا على وجه هذه الأرض المضطربة بالغًا من العمر عتيًا.. زاجالو هذا جاء به الكويتيون إلى الخليج في بداية العام 1976 فصنع منتخبًا مرعبًا انتهى به المطاف على تخوم إسبانيا مسجلًا نفسه كأول الواصلين من أبناء المنطقة إلى مونديال 82.. كان لاعبو منتخب الكويت حينها أشبه بجنرالات الحروب الدامية.. وجوه متشرسة وشوارب مفتولة وأجساد كالخشب المسندة ومن خلفهم عقلية بنائية تصنف ضمن دواهي اللعبة على امتداد تاريخها الذي يفوق المئة عام.. وضع زاجالو المنتخب الكويتي الأزرق عند مشارف طريق المجد الكروي ثم رحل عائدًا إلى بلاده.. اقتنصه الهلاليون في العام 1979 لتشكل تلك الصفقة المدوية أهم خطوة رسمت فيما بعد هوية بني هلال.. اعتبر هذا حدثًا كرويًا مجلجلاً على مستوى العالم أجمع لما يتمتع به زاجالو من سمعة تسبح وراء الآفاق.. انتزع لهم الدوري وسط تنافس صارخ مع جارهم اللدود.. العبقري الذي بدأ حياته جنديًا في شرطة ساوباولو قبل أن يخلع بزته العسكرية ويتفرغ لكرة القدم لاعبًا ومدربًا يغادر الرياض وما كان في حساباته العودة إليها بعد سنة وثلاثة أشهر تقريبًا عندما استعان به النصراويون عام 1981 ليقنع حينها الرمز النصراوي الأمير عبد الرحمن بن سعود بانتهاج الاندفاع الهجومي أسلوبًا راسخًا في فلسفة كروية حري بمن مثل النصر اعتمادها.. قال له في الاجتماع الأول بحضور اللاعبين والدكتور جمال الشرقاوي: "سنتحول إلى فريق يلعب كرة هجومية عصرية لا تعترف بأي لغة أخرى غير هز الشباك".. قال في ذلك الاجتماع إن النصر فريق مدجج بالنجوم المحليين ولا يجرؤ على مهاجمته بين كل فرق الدوري سوى الهلال.. قال زاجالو أيضًا: "عندما كنت أدرب الهلال تابعت أغلب المباريات التي خاضتها فرق النصر والشباب في الرياض فأحضر للملعب للتعرف على أساليب وطرق الفرق الأخرى.. كل الأندية تلعب أمام الهلال والنصر بشيء من الخوف والحذر والترقب.. حتى عندما كنت أدرب الهلال لم أحقق نتائج مرضية أمام فريقكم".. كان يوجه حديثه للإدارة النصراوية واللاعبين..
زاجالو أول رجل يتولى قيادة الخصيمين.. أيضًا آخر رجل يأتي من الهلال إلى النصر.. القائمة التالية بأكملها سلكت الاتجاه المعاكس فبدأت في أحضان النصراويين ثم ذهبت تنشد حياة جديدة وأجواء جديدة وأموال جديدة في النُزل الزرقاء.. مع النصر سجل زاجالو انتصارات متوالية بنتائج كبيرة.. قاد النصر في الدوري المشترك وكان النصر يفوز بالأربعات والخمسات.. اعتمد زاجالو أسلوبًا هجوميًا متهورًا متجاهلاً خلاله التنظيم الدفاعي وتوازن مراكز القوى.. كان فعلاً يهاجم بضراوة لكن مرمى النصر ظل مكشوفًا باستمرار لدرجة أن فريقًا مثل الكوكب استطاع هزيمة النصر 4ـ1 ليسجلها التاريخ رقمًا مستحيلاً.. كانت مباراة من طرف واحد.. أضاع النصر عشرات الفرص المحققة وسجل الكوكب رباعيته من أربع هجمات..
في دور الأربعة تقابل النصر مع الاتحاد وخسر بضربة رأس من كرة ثابتة.. بعد نهاية ذلك الدوري الذي نظم بطريقة غرائبية عجيبة انتقد زاجالو وبشدة الفكرة التي دمج خلالها أندية الممتاز والدرجة الأولى في مجموعتين من أجل إنهاء منافسات الدوري سريعًا ليتفرغ المنتخب لتصفيات كأس العالم.. بعد النصر رحل زاجالو لقيادة المنتخب السعودي وفشل فشلاً ذريعًا في كل شيء.. حينها أطلق تصريحه الشهير: "لو كان اللاعب السعودي يحافظ على التدريبات كما يحافظ على الصلاة لأصبح أفضل لاعب في العالم"..!!
من النصر إلى الهلال.. قائمة مكتظة بوجوه تتقلب ملامحها كما تتقلب نوايا الأشرار.. أولهم اليوغسلافي بروشتش الذي تردد صداه واكتسب سمعته ورافقته المدائح بعد أن نسبت له الفضائل باكتشاف أسطورة الكرة السعودية ماجد عبد الله.. لم يمكث بروشتش طويلاً في النصر.. تعاقد معه أصحاب القرار في البيت الهلالي بتوصية مباشرة من مؤسس النادي عبد الرحمن بن سعيد.. منى ابن سعيد النفس من وراء هذه الخطوة استنساخ التجربة الماجدية في الهلال.. أراد أن يصنع بروشتش ماجدًا عبد الله آخر يرتدي القميص الأزرق.. ابن سعيد أحد الهلاليين الكثر المفتونين بالعبقرية الكروية الماجدية.. في ذات الركب وجوه مهمة مثل.. نواف بن محمد وعبد الله بن مساعد وعبد الرحمن بن مساعد وخالد بن يزيد وخالد بن سعود ومنصور بن جلوي ومحمد بن فيصل وعشرات غيرهم لديهم إيمان تام بقيمة وأهمية موهبة ماجد عبد الله..
تولى بروشتش قيادة مدرسة الهلال التي كانت مشروعًا مستقبليًا لتغذية واختيار اللاعبين البارزين الذين يستحقون الالتحاق بالكتائب الزرقاء.. وضع بروشتش أسسًا متينة وراسخة للمدرسة الهلالية لكن هذا المشروع توارى وأصبح أنقاضًا تذروه الرياح لأسباب كثيرة سيطول المجال في ذكرها وذكراها.. استعان الهلاليون بهذا المدرب اليوغسلافي مرة واحد فقط لقيادة فريقهم الأول وذلك في نهائي كأس الملك عام 1404 أمام الأهلي.. كانت كل الترشيحات حينها تصب في مصلحة الأهلاويين بقيادة الثعلب أمين دابو ورفيقه أحمد الصغير وفرقة متماسكة يقودها تلي سانتانا لكن بروشتش باغتهم بأسلوب الضغط من البداية واللعب على الأطراف وخرج منتصرًا برباعية جارحة لا تنسى.. بروشتش كان أول مدرب ولن يكون الأخير الذي تمضي خطاه من النصر إلى عتبات الهلال..
بعده وفي العالم 1408 جاء للنصر البرازيلي جويل سانتانا.. جاء في منتصف الموسم تقريباً وكان النصر حينها متشوقًا للقب الدوري بعد غياب طال انتظاره.. طال حتى بدأ كالمحال أو أشد وطأة.. طال وطالت أيامه ولياليه حتى صارت ثماني سنين عجاف.. قبل انطلاق الموسم الجديد قال سانتانا للاعبين: "لديكم مشكلة يمكن حلها بسهولة حتى نتمكن معاً من تحقيق الهدف وانتزاع الدوري.. أنتم تفوزون على الفرق القوية مثل الهلال والأهلي والاتحاد والاتفاق والشباب لكنهم تتعثرون أمام الأندية الصغيرة وهذا مرده أمور نفسية تتمحور حول عدم الجدية الكافية في جميع المباريات".. كان جويل سانتانا اسماً تدريبياً شبه مجهول.. بل مجهول تماماً.. لا أحد يعرفه في عوالم المدربين العالميين.. اسم صاعد في البرازيل ويخوض للمرة الثانية تجربة تدريبية محترفة خارج بلاده.. قبلها قاد الوصل الإماراتي.. بعشرة آلاف دولار راتباً شهرياً جاء للنصر.. تلاقت نزعته الهجومية مع تمحور فرقة غزاة لا تتوقف نزعاتها الاجتياحية عن إغارة الأضداد طوال التسعين دقيقة بقيادة ماجد عبد الله.. كان ماجد في أوج حضوره وعنفوانه.. هناك يوسف خميس المتشبع بفرضية صناعة اللعب وحتمية اللمسة الواحدة ذات الكلمة الفاصلة.. بجواره فهد الهريفي بتكاملية السيطرة الميدانية.. محيسن الجمعان بهوادة الارتداء السريع.. وبهذه الأسلحة ابتدع جويل سانتا لنفسه مستقراً حتى حين.. حصل على دوري 1409 بفريق ظل يلعب كرة القدم بطريقة لم يعتد عليها المشجعون السعوديون.. سنين عدداً والنصراويون يعيشون في جلباب ذاك العام الذي أعيتهم فيه المبالغات.. تغزلوا بمساءاته ونهاراته وأيامه.. مباريات كأنهم اللؤلؤ المكنون في أعينهم.. أيام مضت يا جويل لعلها يوماً تعيد إلى القلب صبابته.. من هذه الزاوية العاشقة المتغزلة يستذكر النصراويون فريق دربه جويل سانتا.. واجه جويل الهلال في نهائي كأس الملك وخسر بثلاثية المدافعين القاسية فرحل البرازيلي إلى الضفة المقابلة.. تخلى عنه النصر واستقبله الهلال.. جويل الثاني في قائمة المغادرين من معسكر إلى نقيضه.. جاء للهلال ولم يحقق النجاح المنتظر فغادر سريعاً ثم تنقل بين الاتفاق والشباب..
من رومانيا يأتي الرجل الثالث.. إيلي بلاتشي.. المدرب صاحب النزعة الغوغائية المتزعزعة.. مهما فعل طوال حياته يبقى أهم ما يختزنه العقل الباطن عنه إخراجه لظهيري الطرف حينما يكون خاسراً والدفع بمزيد من المهاجمين ليحول المباراة إلى حصة مدرسية مكتظة بالفوضى والتمرد.. لا أحد في العالم يفعل هذا سوى بلاتشي.. حينما يكون خاسرًا ينتظر الخمس دقائق الأخيرة من عمر المباراة ثم يتلبس عباءة شمشون الجبار مستعيدًا تلك الأيقونة التراثية ويصرخ بصوته الأجش: "علي وعلى أعدائي"..
في عام 1982 اعتلى بلاتشي قمة نجوم كرة القدم في بلاده واختير وبجدارة ليكون أفضل لاعب روماني فأسرع ميلان الإيطالي وتعاقد معه بمبلغ يناهز الثلاثة ملايين دولار وراتبًا شهريًا يصل إلى 200 ألف دولار لولا أن الحكومة الرومانية الشيوعية وقتها حرمته من إتمام الصفقة لأنها تشدد كثيراً على خروج الرياضيين من البلاد خشية الهروب ولجوئهم إلى دول أخرى.. شكلت تلك الحادثة صدمة نفسية عانى منها بلاتشي ليعتزل اللعب في أوج مستواه وانطلاقته فغادر الملاعب قبل احتفاله بيوم ميلاده السابع والعشرين.. بعدها بسنوات تستقر رومانيا وتتخلص من إرثها السياسي المتعجرف ويرتدي صاحب الشعر الأشقر المتهدل سترة المدربين وينطلق في رحاب الإدارة الفنية لكرة القدم.. لم يكن اسماً تدريبياً أثيراً بين أبناء جلدته.. حلق بعيدًا مؤمنًا بأن زامر الحي لا يطرب.. البلاد التي رفضت احترافي في إيطاليا لن تتقبل رؤيتي وأنا أفرض طريقي وأسلوبي وإرادتي بين ردهات ملاعبها..
محاكاة روح مثخنة بالجراح ومتألمة بالاختناق والتعامل الجاهلي.. أسرها بلاتشي في نفسه ولم يبدها للرومان.. خرج وصنع لاسمه سمعة متعجلة تستحق التقدير والاحترام وأشياء أخرى.. وصل للنصر في العام 1996 وحقق برفقته بطولة خليجية.. انتهى عهد بلاتشي مع النصر بذكرى حزينة.. كان آخر ظهور له جالساً بجوار بدلاء الأصفر أمام الهلال.. دخل بلاتشي المباراة مقصيًا أهم وأبرز وأفضل ورقتين في يده.. ترك ماجد عبد الله والسنغالي أنجي فيكتور بعيدًا عن القائمة الأساسية في خطوة غريبة أثارت حينها كثيرًا من الأسئلة المتكأة على تلال من علامات استفهام متشككة.. انتصر الهلال بثلاثية وبعد المباراة انتقل بلاتشي إلى تدريب الهلال..!!
يعود النصر من مونديال الأندية ويبدأ مرحلة متجددة وتاريخية.. يختار عبد الرحمن بن سعود بحرص وعناية المدرب البرتغالي جورج آرثر.. شاعر وفيلسوف ويتحدث خمس لغات حية.. واسع الثقافة والاطلاع وخريج كلية الآداب في جامعة كويمبرا العريقة إحدى منارات أوروبا التنويرية والتي تأسست قبل 800 عام على يد الملك البرتغالي دينيس..
عاش آرثر مع النصراويين موسمًا صاخبًا وصل فيه إلى أربعة نهائيات متتالية لكن النحس والحظ الرديء رافقا الرجل الرزين الهادئ ذو الشوارب الكثيفة فخسرها جميعها.. كان آخرها مباراة نهائي الدوري أمام الاتحاد وحينها ارتكب محسن الحارثي غلطة لا يلام عليها عندما أخفق في تشتيت الكرة التي وجدها حمزة إدريس تنتظره داخل منطقة الجزاء ليسدد الكرة باتجاه المرمى المكشوف ويخسر النصر اللقب.. ويرحل آرثر.. غادر هذا المدرب إلى بلاده على أن يعود بعد إجازة الصيف.. فعلاً عاد لكن هذه العودة كانت إلى الهلال.. نشبت قضية شائكة ومعقدة بين النصراويين والهلاليين تداخلت في خيوطها الأنظمة الحكومية مع اللوائح الرياضية.. المدرب سافر بتأشيرة خروج وعودة صادرة لمصلحة النصر ويحمل تذكرة ذهاب وإياب قطعتها الإدارة النصراوية له قبل السفر.. آرثر ترك هذا وراء ظهره ووقع للهلال.. اتجه النصراويون إلى وزارة العمل قبل أن تتدخل الرئاسة العامة لرعاية الشباب لتحل الأزمة الطارئة وتعوض النصر عن كل الخسائر المالية المترتبة على تلك الحادثة.. تستضيف جريدة الجزيرة عبد الرحمن بن سعود ليروي ما حدث لكنه على غير العادة اكتفى بإجابات دبلوماسية لا تمثل شخصيته في الدفاع عن مصالح النصر.. وفي سؤال عن جورج آرثر وكيف انتقل للهلال كان الرئيس الراحل يرد ببيت الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ردد هذا البيت ست مرات خلال ذاك الحوار الصحفي المثير.. لم يستمر آرثر في الهلال كثيراً ويعود ذلك إلى حالة القلق التي بدت تساور أصحاب القرار الهلالي من سوء الطالع الذي كان يلازم هذا الرجل بعد أن خسر نهائيين فخشي الهلاليون أن تتكرر حكاية آرثر في النصر مع فريقهم.. فعلاً كان رجلاً نحيساً.. نابليون القائد العسكري التاريخي وباني فرنسا الحديثة كان يختار الضباط المحظوظين.. كان يسأل كثيراً عن بخت كل من حوله.. هذه سلوكيات إنسانية لا تعترف بالتاريخ أو البيئة أو الحدود أو الزمن..
يطير آرثر إلى محطات متعاقبة دون أي مكاسب كروية وإنجازات.. بعد عامين يستقر في قيادة الكاميرون فيخسر المنافسة على كأس إفريقيا 2006 عندما خرج من ربع نهائي البطولة بركلات الترجيح.. وقبلها بعام واحد لاحقه النحس وأخفق في التأهل إلى كأس العالم عقب إهدار صامويل إيتو ضربة جزاء حاسمة أمام مصر في الدقيقة 95 .. لو سجلها إيتو صعد الكاميرون لكنه أضاعها ليؤكد فقط أن آرثر رجل منحوس.. فعلًا منحوس.. إنه لذو حظ تعيس..!!
آخر الطيور المهاجرة من البيت الأصفر إلى الأحضان الهلالية الكرواتي زوران.. رجل مزدحم بالمشاكل والقضايا.. مضطرب ومشوش وتلاحقه دعاوى فساد.. اتهم بسرقة ملايين اليوروهات والتهرب الضريبي في بلاده.. عاش طريدًا وألقت الشرطة القبض عليه في البوسنة والهرسك.. تزوج مرتين وكل زواج انتهى بالطلاق بسبب خيانته لزوجتيه.. والله لا يحب الخائنين..!!
جاء للنصر واصطحب شيئًا من تلك المآزق.. والنصر مش ناقص..!!
كان حسين عبد الغني يمثل جبهة نافذة وقوية.. ما كان مجرد وجه ضمن أحد عشر لاعبًا.. شخصية حسين القيادية القادرة على الاستحواذ والسيطرة جعلته قريبًا بمسافة كافية من القرار.. حسين يمثل نموذجًا اعتياديًا في عوالم الأندية وخفاياها.. كثير من الأندية الكبيرة وفي كل مكان تعايشت مع تلك الأمثلة.. توثقت علاقة رئيس النصر فيصل بن تركي مع شخصية حسين الذي وجد فيه قائدًا حماسيًا وشجاعًا يحتاجه النصر في تلك المرحلة المفصلية المهمة والتي أعادت النصر لمعانقة الدوري بعد غياب دام تسعة عشر عامًا.. اصطدم حسين مع زوران وأفكاره.. نشبت حروب معلنة وخفية داخل البيت الأصفر.. كثير من اللاعبين كانوا يصطفون وراء حسين لأنهم تعاشروا معه ويعرفون تمامًا حميته وحبه المترامي للنصر.. أيقن فيصل بن تركي أن فريقه بحاجة قرار صارم وجريء وسريع.. ضحى بالمدرب وتمسك بحسين واللاعبين.. فعل ما يفعله كل الرؤساء العقلاء.. كان هناك أصوات تريد استمرار زوران بحجة الاحتشاد خلف النظام وفرضياته.. المدرب ليس دائمًا على حق.. خاض زوران مباراة أسطورية أمام الهلاليين في دور الأربعة لكأس ولي العهد.. قبل المواجهة كانت كل التوقعات ترمي الفوز في خانة الأزرق بحجة الغياب الكبير الذي يشكو منه النصر..
اعتمد زوران على طريقة الارتداد السريع وترك منطقة المناورة يعثوا فيها لاعبو الهلال.. غامر بوضع إبراهيم غالب في خانة متوسط الدفاع وكسب الرهان.. ربما هذه المباراة وحدها التي جعلت الهلاليون يسلمونه زمام أمورهم الفنية.. لم يكمل بالطبع مشواره مع النصر وذهب إلى تدريب العين الإماراتي.. خرج بمشهد دراماتيكي من خلال مؤتمر صحفي جمع الكرواتي مع الرئيس النصراوي.. عاتب حينها فيصل بن تركي الإماراتيين على مفاوضاتهم للمدرب رافضًا بشدة أن يكون عبد الغني سببًا في رحيله بينما أكد زوران نفسه أنه اتخذ القرار المفاجئ بعد تشاور طويل مع عائلته..
يصل زوران إلى قيادة الهلال.. ويتلقى الأزرق تحت قيادته أقسى خسارتين في العشر سنوات الأخيرة.. خماسية التعاون المزلزلة وثلاثية النصر التي تناوب عليها رأسا حمد الله والبرازيلي برونو.. هناك آخرون لم يتولوا تدريب الغريمين ويحق لهم التجول بهدوء في معابر هذه الزاوية ومساراتها.. في الموسم الاستثنائي بدأ النصر مع الأوروجوياني كارينيو لولا أن أصحاب القرار الأصفر اكتشفوا مبكرًا أن ذلك المغامر الأشقر ليس الرجل المناسب الذي سينتزع الألقاب.. فتحوا له أبواب الرحيل واستنفروا بحثًا عن اسم كبير يقود تلك الأسماء المحتشدة والتي كلفت الملايين.. استقر بهم الحال على البرتغالي جارديم الذي نجح في انتزاع دوري أبطال آسيا للهلاليين.. اشترط جارديم أن يحضر للرياض قبل توقيع العقد ومتابعة مباراة للفريق من أرض الملعب.. وصل وذهب برفقة سعود آل سويلم لحضور مباراة النصر والوحدة في الملز.. خسرها النصر بهدف وحيد.. بعد المباراة دار حديث سريع بين آل سويلم والمدرب الذي أبدى عدم قبوله للمهمة وحينما سأله رئيس النصر عن أسباب الرفض قال جارديم: "الفريق الذي شاهدته قبل قليل لا يمكن أن يحقق الدوري"..
لم يعجب سعود آل سويلم هذا الكلام ولم يبدِ أي محاولة في إقناع جارديم بالقبول وودعه ثم راح يبحث عن اسم آخر حتى استقر على ابن جلدته فيتوريا.. وبالفعل قبل التحدي ووصل وانتزع الدوري الذي يعده الكثيرون الأقوى في تاريخ المنافسات السعودية لأسباب عديدة أهمها وأبرزها أن كل مبارياته أديرت بصافرات أجنبية إضافة إلى جودة اللاعبين الأجانب واستمرار التنافس بين الهلال والنصر حتى اللحظات الأخيرة.. ربما تمنى سعود آل سويلم أن يتابع جارديم مباراة النصر والباطن وكيف سارت الأقدار وكيف نجح النصر بخطف الدوري.. فيتوريا هو أيضًا اسم دارت عليه الدوائر في حلقات مغلقة بين النصر والهلال.. قبل حضور جارديم طرح اسم فيتوريا بقوة ليكون المدرب القادم للأزرق وعقد اجتماعًا في منزل أحد أعضاء الشرف المؤثرين في مسيرة الهلال بجانب لاعبين سابقين يستنير الهلاليون برأيهم لولا أن الأصوات بغالبية كاسحة رفضت وبشدة الاستعانة بفيتوريا لأسباب تتعلق ربما لعلاقته مع النصراويين خاصة بعد كلام قيل عنه كان أبرزه ما أطلقه عبد الرحمن الحلافي حينما وصف فيتوريا برئيسنا.. في إشارة إلى نفوذه وثقتهم به حينما كان السويكت يتولى رئاسة النصر.. إنها الخبرة الخافتة التي تجعل مسؤولاً يصف المدرب بالرئيس..
وفي الجبهة النصراوية أثيرت ذات الحكاية بتفاصيل متشابهة تقريبًا.. بعد إقالة البرازيلي مانو بحث النصر عن اسم جديد يتولى المهمة الطارئة.. عُرض عليهم الروماني كوزمين.. كان قريبًا جدًا وأبدى هذا المدرب حماسة كبيرة لخوض التحدي مبديًا ثقته المطلقة بصناعة فريق يصعب اختراقه وهزيمته.. تشاور النصراويون كثيرًا لكن صوتًا مهمًا تخلى عن هذه الفكرة خشية تأثير تاريخ كوزمين مع الهلاليين على مسيرته مع النصر.. إنها بيادق الشطرنج ذاتها.. لا تحتاج إلى أحد ينقلها من أمكنتها.. إنها بيادق بلون واحد.. لون النصر.. ولون الهلال..!!