|


فهد عافت
سَيْل جَفَاف!
2022-03-14
ـ ننشغل بالتّفاهات. نُسَيِّل سنينًا من أعمارنا في ما لا معنى له، وفيما لا يعنينا حقًّا ولا يفيد في شيء. بالرغم من ذلك تتبقّى لنا أوقات كافية، لكننا بدلًا من قضائها في التّأمّل أو العمل الجاد النّافع، نمنح جزءًا كبيرًا منها لملذّات عابرة كسولة، وفي كلّ كسلٍ وَهْم!.
ـ بدلًا عن ممارسة الرّياضة نكتفي بمشاهدتها وتشجيع الممارسين لها!. نُنفق طاقةً هائلةً من الانفعالات والمشاعر في الانتماء لفريق أو في مؤازرة لاعب!. نهاجم بعضنا مقترفين أخطاءً لفظيّة، وأحيانًا عمليّة حيث التّشابك بالأيدي، تشوّهنا شيئًا فشيئًا، وتنتزعنا من طُهرٍ كان لنا وفينا وكنّا نستحقّه!. طاقة ذات قدر هائل من الفعالية الإيجابيّة فيما لو أنفقناها في نشاط بدني أو فكري مفيد وممتع أيضًا!. لكننا لا نفعل. ومع ذلك تتبقّى لنا أوقات كافية للتواصل مع ذواتنا وأحبّتنا، لكننا نهدر فرصة استغلالها من جديد!.
ـ نهدر الفُرصة، مكتفين بأزرار وحروف أجهزة التواصل عن بُعْد حيث الصداقات الافتراضيّة!. وعوضًا عن تصوّر الطبيعة نكتفي بتصويرها! ليس بالكلمات ولا بالألوان ولكن عبر أجهزة صرنا أجهزتها!.
ـ يتبقّى لنا وقت! لكنّنا نكون فيه في أضعف حالاتنا، التّصنّع أخذ منّا الكثير، والمُدَاهنة وحُمّى جمع الأرقام والتّظاهر بما ليس فينا أضاع منّا أهم ما فينا. يسهل قيادنا أكثر وأكثر، مثلما يسهل على كل واحدٍ منّا الحيود عن هدفه والعدول عن تطلّعاته وأحلامه!.
ـ نُشَوّش أكثر ونتلخبط ونرتبك، فالحيود والعدول لا يعني الاكتفاء والرِّضا! كما أنّنا لا نعرف طريقًا ولا نحمل آمالًا وتطلّعات جديدة!. نعالج ذلك بمرض جديد: نُعلن عن أهداف نتعمّد أن تكون مستحيلة ولا يُمكن تحقيقها!، نفعل ذلك لكي نبرّر لأنفسنا عدم جدوى المحاولة، وسرعان ما نُقنع أنفسنا بهذه اللا جدوى فنتوقّف عن هذه الأهداف والأحلام بحجّة أننا أكثر عقلانيّةً ممّا قد يُظَنُّ بنا!.
ـ بعد هذا كلّه، نُسأل، فنُجيب: يا الله، كم هو هذا الشيء مهم، لكننا لا نجد الوقت!. الدّنيا مزحومة!. ونكره من يسألنا: بأي شيء هي مزحومة؟! لأننا وفيما لو واجهنا هذا السؤال بإجابة صريحة، سنكتشف أنّها ليست كذلك بالفعل، أو أنّها ليست كذلك إلى الحدّ الذي لا يسمح لنا بالتّحرّك وفعل شيء حقيقي، وأنّه ما زال أمامنا، ولدينا، وقت!.
ـ “قفلة”:
من رواية “شركة الحب المحدودة” لـ: “أندري سنار ماجنسون”:
(تستطيع الفَرَاشَة المَلَكيّة التي لا يزيد وزنها على عشرة جرامات قطْع مسافة تُناهِز ألف ميل دون حاجة إلى قمر صناعي. وبمقدور الطيور البحريّة أن تسافر عامًا تلو الآخر، من أعشاشها في شبه جزيرة “ميلراكاسليتا” في شمال “أيسلندا” إلى موقعها المُفضّل في شرق “كيب تاون” بجنوب أفريقيا وفْق غريزتها.. غريزتها فقط. يا لسخرية القدر الذي أعطى مخلوقات تحمل أدمغة بحجم حَبَّة البندق، أو البذرة، أو قطعة من الزَّغَب، القُدْرَة على فعل كل ذلك، وجعلت البشر الذين يحملون أدمغة كبيرة وثقيلة في حاجةٍ إلى ثمانية عشر قمرًا صناعيًّا، وجهاز استقبال، ورادار، وخرائط، وبوصلات، وجهاز إرسال، وعشرين عامًا من التّدريب المُرهِق، وجوّ مشحون بالموجات حتّى كاد يفقد شفافيته)!.