|


فهد عافت
من القاهرة أكتب لكم!
2022-03-20
- “لافتة”:
من رواية “الفقراء” لدوستويفسكي: “..، إذ لا ينام المرء بشكل جيّد، في الشّقّة الجديدة التي يُقيم فيها ليلته الأولى. إنّ النّوم بالطّبع هو النّوم، لكنه لا يكون كذلك في الليلة الأولى!”.
- عن القراءة لكاتب يومي: أكثر ما تأكّد لي، بكثافة تستوجب البوح يا أحبّة، ضرورة التحذير من أخذ كل أفكار ذلك الكاتب مأخذ الجدّ!.
- أطيب ما وجدته في الكتابة اليوميّة حرارتها تلك التي تشبه سخونة الرّغيف. مصدر تلك الحرارة: الحماس الذي يستولي على الكاتب ليقول شيئًا في ساعتين يقرأه الآخر في أقل من خمس دقائق بعد ساعات قليلة!.
يتطلّب ذلك فكرة وتفرّغًا وجُهدًا ومزاجًا وحظًّا حسنًا يسمح بتدفّق الكلمات، ثم انتظارًا إلى حين وصول المقالة/الرسالة، ووقتًا آخر، ساعة أو أكثر، لتتبّع أثرها وتحسّس الآراء حولها، قبل الشروع في كتابة جديدة، (يصعب تتبّع التفاعلات هنا، لظروف وطبيعة السفر، ولضعف الإرسال نسبيًّا، أو عدم توفّره أحيانًا!).
- ما الذي يعنيه هذا، وإلى أين يذهب بالكاتب؟! إنّه يعني عدم إمكانيّة توافق كل الظّروف والشروط اللازمة لكتابة مُحْكَمَة طول الوقت!. ويذهب بالكاتب إلى حسرة صغيرة على الأقلّ لتناسيه أو تجاهله أمرًا ما، أو لندمٍ مُرٍّ بعض الشّيء، يجده في نفسه حين يقرأ ما كتب وتم نشره ولم يعد بالإمكان استدراك كلمة كان يُمكن استبدالها بكلمة أطيب وقعًا أو بتعبير أعذب إيقاعًا!.
- والأهم، أنّ المزاج والحالة النّفسيّة تتدخّل بشكل لا يُمكن إنكاره في المناخ العام للكتابة نفسها!. يحدث أحيانًا، أن يتسبّب ألم بسيط في الرَّقَبَة ناتج عن نوم بطريقة خاطئة، في توجيه فكرة ما إلى تشاؤميّة غير مبرّرة ولا مقصودة!. مثلما أنّ فنجان قهوة طيِّب، لكاتب يعشق القهوة، من شأنه أحيانًا فتح أبواب التّسامح والانشراح أكثر من اللّازم!. التقاضي والتغاضي.. ليست إلا جزءًا من مزاج لحظة الكتابة اليوميّة، وقد لا يكون الأمر في محلّه دائمًا!.
- صحيح أن الأسلوب، لمن يمتلكه، يظلّ مسيطرًا بحسب قوّته، وصحيح أيضًا، وهذا أمر غاية في الأهميّة فيما أظنّ، أنّ ترتيب الوقت والالتزام به بالنّسبة للكاتب اليومي يُسهم في ضبط أمور كثيرة ويمكنه دائمًا خلق حالة من التّوازن الذّهني، تقود إلى نموّ الفكرة بطريقة جيّدة، أو بأفضل طريقة يُمكن للكاتب القيام بها، غير أنّه لا يُمكن أبدًا إغفال المستجدّات واستبعاد أثرها: المكان، الوقت، الضوء (أكتب الآن في مكان خافت الإضاءة!)، وحتّى نوعيّة الإفطار، وتغيّر الجوّ برودةً أو حرارةً، بل وحتى تغيّر الوجوه، وبالتأكيد زحام الشارع (زحام القاهرة: أمضيتُ ساعة كاملة وأكثر قليلًا للوصول إلى المقهى حيث أكتب الآن، والوقت الطبيعي المُفترض للوصول كان أقل من ثلث ساعة!). يُمكن أيضًا لاتّصال هاتفي يستوجب الرّد في الحال، أن يُربك تدفّقًا أو أن يُغيّر مجرى (رفيقة العمر تتصل.. لتلحق بي، وفي الحديث تلميح إلى أنّ سفرتنا هذه إلى القاهرة، مُلِئت بوعود التّمشية!).

-”قفلة”:
ما إن تبدأ رواية “الفقراء” لدوستويفسكي، حتّى نقرأ: “نحن الآن في فصل الرّبيع، لذلك، فإنّ الأفكار التي تستبدّ بي هي أفكار سائغة وحادّة وموخزة جدًّا، وأشعر بأنّي مجتاح بأفكار رقيقة وعذبة كذلك. كلّ شيء يبدو لي في حلّة ورديّة اللّون”!.
يمكننا بسهولة الرّبط بين فصل الرّبيع ومزاج الشّخصيّة لحظة الكتابة!.