|


تفاريس..عاطفي خلوق.. وأسد في الملاعب

الرياض - عبدالرحمن عابد 2022.04.27 | 08:54 pm

ابتسامته يفوح منها الصفاء، وروحه المرحة تشعّ بالجمال، يمزح دائما مع زملائه بوافر من الحب، بينما في الملعب يستخدم طوله الفارع وجسده القوي، في تعذيب خصومه ومنافسيه، يشبه مطرقة حديدية تنزل من السماء، لتثبّت أوتاد الهدف في شباك الحراس خلال المباريات، ولكون دمائه أفريقية تعلم مبكرا الدرس الشائع في القارة السمراء: "الأمل لا يقتل،. سأعيش وأحصل على ما أريد يوما ما".



وُلد جوليو تفاريس في 19 نوفمبر عام 1988، لأبوين من بسطاء قرية ريبيرا دي برينسيبال، هناك شمالي غرب جزيرة سانتياغو في دولة الرأس الأخضر، حيث المزيج البديع الذي يجمع بين عظمة الطبيعة الخلابة وجبال سيرا مالاغويتا النابضة باللون الأخضر وبين جمال وفخامة شواطئ جزر الكاريبي في الساحل القريب للمحيط الأطلسي، بينما في الماضي، جعلت منها تجارة العبودية ثاني أغنى مدينة تحت الحكم البرتغالي، ومركزا للقوى الاستعمارية المتنافسة في منتصف القرن قبل الماضي فرنسا وبريطانيا وهدفا لهجمات القراصنة، والآن تعد شريان الحياة بالنسبة للدولة، كمصدر رئيسي في السياحة وصيد الأسماك، والأهم زراعة وتصدير الذرة وقصب السكر والموز واللبن والمانجو.



يروي تفاريس في مقابلة قديمة مع إذاعة "فرانس إنفو"، أنه وصل فرنسا في سن السادسة مع عائلته، وكأغلب فقراء أوروبا المهاجرين إلى أوروبا بحثا عن حياة ومصدر رزق أفضل، اُضطر لمعاونة شقيقه في أعمال الكثيرة، منها عامل بناء في الصباح، ومراهق هاوي في أكاديمية مونتريال لا كلوز عند المساء، بلا هاجس أو تحدي داخلي لاستغلال موهبته في احتراف كرة القدم، إلى أن ساقه القدر لمقابلة مكتشف المواهب الهندي الأصل هيرفي ديلا ماجوري في ميدان المقاطعة، بعد تألقه أمام رديف بورج إن بريس، لينقله إلى مستوى جديد في مسيرته، بعد أشهر من المعاناة والمحاولات البائسة لإقناعه بالانضمام إلى فريق بريس الثاني، حتى بعد انتزاع موافقة المدرب بيير ماورون، وذلك لارتباط الصغير عاطفيا بأسرته وأصدقائه في الحي.



تزامنا وصول الأب الروحي ماجوري، إلى الدفة الفنية لرديف بورج إن بريس في صيف 2009، كان تفاريس يستكشف أولى مواهبه في لعبة الكرة الحديدية، أو ما تُعرف في فرنسا والبرازيل بـ "البوتشي"، حتى صحيفة "ماركا" وصفته بـ "ملك البوتشي"، لبراعته فيما كانت مصدر رزقه الوحيد، وكادت أن تقضي على مسيرته، حتى بعد توقيعه على أول عقد احتراف بعمر 23 عاما، كاكتشاف لمشرف ديجون الأسبق سيباستيان لارسير، الذي يقول عنه جوليو: هو من أقنع الموظفين والقادة في ديجون بالتوقيع معي عام 2012"، ضمن الجواهر الخام التي اعتاد النادي على تجنيدها من دوريات الهواة، بيد أن المؤشرات الأولى لم تكن تصب في مصلحته، لتأخر انسجامه على نظام التدريب 3 مرات أسبوعيا بدلا من مرة واحدة في عالم الهواة، إلى أن تحول كل شيء وقت قياسي مع ظهور إمكاناته وقدراته التهديفية أمام مرمى المنافسين.



أخذت مسيرته الاحترافية أول منحنى تصاعدي، بحصوله على استدعاء رسمي لتمثيل منتخب بلاده أمام غانا في 14 نوفمبر لنفس عام ذهابه إلى ممثل الليجا 2، ناسبا الفضل لمدرب ديجون أوليفييه دالوليو، الذي كان سباقا في تطويع إمكاناته وطاقته الهائلة لمصلحة الفريق، عكس أغلب التوقعات آنذاك، بأنه سيستغرق وقتا للتكيف على المستوى الاحترافي، تاركا إحصائياته وأرقامه القياسية تسبقه أينما ذهب، وصلت لحد إعادة صياغة تاريخ ناديه، باعتلاء صدارة هدافين ديجون في كل العصور، حين حطم رقم الأسطورة سيباستيان ريباس، بهدف الفوز على نانت أواخر أكتوبر 2017، ومن تواضعه، علق على إنجازه قائلا "رقم ريباس أكثر إثارة للإعجاب لأنه سجل الأهداف في عدد مباريات أقل".



من أغرب مواقفه بعد شهر من انتقاله لديجون، قيامه بالاتصال بمدربه السابق في نادي الهواة ليطلب منه الاحتفاظ بشقته في بورج، لأنه بحسب تعبير ماجوري الساخر "كان يفكر في العودة"، فيما يضرب بواب النادي السابق بوبي ألين، المثل بأخلاق وإنسانية تفاريس، بجملته الشهيرة "لا يتصرف كنجم على الإطلاق"، مؤيدا رأي الإعلام والصحافي في "بي إن بابليك" ريمي شيفرون "يعرف من أين أتى وكم هو محظوظ ولا يغش أبدا حتى في التدريبات"، بينما وصفته شبكة " ledijonshow" برجل القيم، باعتراف أبرز من تعاملوا معه على مدار سنوات، آخرهم مدربه السابق أوليفييه، صاحب المقولة المأثورة، ردا على سؤال الصحافي ريمي شيفروت في مؤتمر الوداع الهداف التاريخي "عندما يكون لديك 11 جوليو، يمكنك الترشح لدوري أبطال أوروبا".



بعيدا عن المستطيل الأخضر، لا ينسى دوره الإنساني لتحسين حياة أبناء جلدته، مستهدفا قطاع الشباب في مسقط رأسه في برينسيبال، على غرار ما فعله في بداية العام 2019، بإعادة تأهيل مجلس الرياضة، وغيرها من المشاريع المتفق عليها مع العمدة المحلي في باكوس دو كوسيلهو، كوسيلة لتعزيز فرص توظيف الشباب، ما يعكس حالة الحب القبول التي يحظى بها من الجميع في غرفة خلع الملابس سواء مع ناديه أو منتخب بلاده، بشهادة رئيس ديجون أوليفييه ديلكورت، الذي تعهد بتكريم يليق بالأسطورة والهداف التاريخي، إما بمبنى باسمه أو تمثال أمام الباب الرئيسي للملعب، كأقل تعويض على الوداع الصامت، بسبب الإجراءات الاحترازية لكبح انتشار كورونا وقت إعلان انتقاله إلى الفيصلي السعودي في الميركاتو الصيفي 2020.



حينما انتقل إلى بلدة حَرمة، والتي تبعد عن الرياض مسافة ساعتين بالسيارة، لم يشارك من حوله أسرار وتفاصيل حياته العائلية، وغلبه الخجل والبساطة التعامل بودية مع الزملاء والموظفين، بدليل أنه لا يستعرض بثروته عبر انستجرام، كما يفعل عادة النجوم والمشاهير، إذ يكتفي بمشاركة متابعيه لحظات تألقه مع عنابي سدير، حيث انضم لهم بعد مشاورة نعيم السليتي وأسامة حدادي وسيدريك يامبيري، وبعدما سجل الهاتريك التاريخي في التعاون ضمن نهائي كأس الملك، وبات يفعل الأعاجيب في دوري أبطال آسيا، يستحق تفاريس لقب الأسد باعتباره مهاجما يهابه الجميع.