التعرف على متبحر في اللغة العربية فيه متعة وفائدة، لأنه سيذكر لك الاستخدامات الصحيحة للكلمات، لكن عليك إذا ما تعرفت عليه أن تكون رسميًّا في علاقتك معه، وألا تتيح له الحرية بمقاطعتك أثناء حديثك لكي يصحح لك أخطاءك اللغوية، لأنه حينها لن يتوقف، هذا ما حصل معي عندما تعرفت على "أبو أكرم"، وهو أحد المختصين باللغة العربية في المبنى الذي كنا نعمل فيه، كنت قد أبديت له إعجابي بعلمه الممتع، وبينت له حسرتي على استخداماتنا الخاطئة للمفردات والحروف، وقلت إن جمالنا نحن العرب من جمال لغتنا العربية، لم أفهم لماذا اعتقد أنني أطلب منه أن يدرّسني، فصار كلما اجتمعنا معًا يتحدث معي بلغة عربية ويطلب مني الرد بالفصيح، في البداية وجدت الأمر ممتعًا، لكنه صار يلاحقني في المبنى أينما ذهبت لكي يفتح معي حوارًا ثم يقوم بتصويب أخطائي، ثم صار يعطيني قصاصات كتب فيها ما يجب أن أقوله وما لا أقوله، وهي تصويبات للأخطاء الشائعة أثناء تحدثنا أو كتابتنا بالعربية، حتى في المرات التي يزورني فيها بعض الضيوف كان يدور حولي منتظرًا ذهابهم، بدأت أتهرب منه، وعندما شعر بأنني أفسد محاولاته بعذر الانشغال صار يمعن النظر في عيني قبل أن يغادر، وفي آخر مرة اعتذرت فيها منه اقترب مني هامسًا: هل علمت لماذا يخطئ الكثير من الناس عندما يستخدمون اللغة ؟ فأعدت سؤاله بسؤال: لماذا؟ فأجاب: لأنهم مثلك يحبون لغتهم لكنهم لا يريدون أن يدفعوا ثمن إتقانها بالصبر.. ناس كسولة.. تحب اللعب.. سلام! ثم غادر وأنا أودعه بالكلمات: صدقني لا.. بس أنا فعلًا.. الآن أنا مشغول.. راح أجيك مكتبك ! لم أدفع ثمن التعلم.. ولو أعطيت محاولاته التطوعية خمس دقائق من كل يوم لصارت لغتي العربية أفضل حالاً بكثير، لكنني لم أنسه.. وعند كل حديث عن اللغة أتذكره، وكلما طالعت عناوين الكتب في مكتبتي الصغيرة ولمحت كتابًا عن اللغة وجدت لساني يردد: الله يذكرك بالخير "يا بو أكرم".. لو أنني قبلت تبرعك بدلًا من ضياعي للساعات مع زملائي في الأحاديث التي لا فائدة منها لصرت في حال مهني أفضل. ما جعلني الآن أتذكر "أبو أكرم" هو أنني أحاول أن أتعلم.. وبين يدي الآن كتاب "قل ولا تقل" للدكتور مصطفى جواد، أقرأ منه وأسمع صوت "أبو أكرم"، قل: الشيء الذي ذكرته آنفاً أو سالفاً ولا تقل: الشيء الآنف الذكر. قل: نذيع بينكم، ولا تقل: نذيع عليكم. قل: دعا لكم بالرِّفاء والبنين، ولا تقل: بالرفاه والبنين، لأن الرفاء مأخوذة من مادة رفأ، والرفاء هو الالتئام والاتفاق. قل: فلان ذو كفاية في العمل، ولا تقل: فلان ذو كفاءة في العمل، فالكفاءةُ المساواة والمماثلة ومنها الكفاءة في الزواج، والعمل في الوظيفة لا يحتاج إلى كفاءة أي مساواة بل يحتاج إلى كفاية أي طاقة وقدرة محسنة. سأستمر في قراءة الكتاب وآمل أن أتعلم، لأنني ولغاية الآن: لاني من الإنجليزي ولاني من العربي!.