اعتدت شراء الكتب عند أية فرصة، حتى في المرات التي أتذكر أن لدي كتبًا لم أقرأها للآن، أعلم أن الكتب وفيّة جدًا للحظة تقديرها بشرائها، فتنتظر صاحبها ولا تلومه على التأخر في قراءتها، بل تتركه هو من يلوم نفسه عندما يشعر بالمتعة عند صفحة ما متسائلًا: كيف تركت هذا الكتاب طوال هذه المدة دون أن أقرأه؟
والكتب تشبه الناس بأطباعهم المختلفة، بعضهم هادئ عميق تتمعن في معاني كلماته والصور التي يشكلها، فتقرأه ببطء، وبعضهم مثل الزائر الذي لا يحب الجلوس طويلًا فيدخل مباشرة في الأحاديث مستخدمًا المفردات السهلة، وبعضهم لا يرضون إلا يأخذك أخذًا كاملًا إلى عوالمهم هم، إلى أرضهم وتواريخهم وأناسهم، حتى تشعر إذا ما توقفت عن القراءة لدقائق بأنك في تأثير كتابتهم فترى بيوتهم وأشخاصهم أمامك. السطور التالية انتظرتني طويلًا، قد لا تكون أجمل ما في الكتاب، لكنها استوقفتني.
ـ (رأيت رام الله) لمريد البرغوثي، وهو مزيج من المذكرات والسيرة الذاتية والشعر، تدور في فلك الاغتراب والشتات الذي عاشه ويعيشه الفلسطينيون، كلما قرأت صفحات عدة توقفت كي أقول: لا أحد يكتب في غير الشعر مثلما يكتب الشاعر، لأنه يحول الكلمات إلى لوحات يصعب نسيانها، حتى المضحكة منها تنهض من مشهد إنساني متدفق المشاعر، وقد تضحك بعد بكاء بصفحات قليلة، وقد تبكي بعد مسحك لدموع الضحك من صفحات قليلة سابقة. هذه السطور للغرباء الذين عادوا للتو، وهنا كان مريد قد عاد للتو للعيش مع عائلته بعد فراق دام 17 عامًا (كان علينا أن نتحمل (وضوح الغربة) وعلينا اليوم أن نتحمل (غموض العودة) أيضًا. وقد تحمّلنا. أدركنا، وكان هذا اكتشافًا، أن العائد يعود وعلى كتفيه أحمالٌ يستطيع المرهف أن يراها كما يرى عتالًا محني الظهر في ضباب الميناء. المنشود هنا هو البطء. ستتخذ اهتزازات الماضي مداها إلى أن تهدأ وتسكن وتجد لها شكلها الذي تستقر عليه).
ـ هل للفوبيا مُسبب؟ من عوالم الفوبيا اخترت ما كتبه أحمد رجب في (أي كلام) تحت عنوان في الصالون. لا أستطيع الجزم أن الجميع لديهم (فوبيا)، لكن الكثير منا لديهم هذه الفوبيا، أما أحمد رجب رحمه الله فقد كانت الفوبيا عنده من الحلاق (أكره الحلاقة جدًا، الأرجح أن السبب حادثة مرت عليها عشرات السنين يوم ذهبت أحلق شعري وأنا في المدرسة الابتدائية فدخل رجل صالون الحلاقة وفي يده ابنه في مثل عمري، فقص الرجل شعره وحلق ذقنه، وكان دور الولد الصغير فأجلسه الحلاق على منضدة ليقص شعره بينما ذهب الأب إلى الحانوت المجاور بعد أن نفدت سجائره، وجن جنون الأسطى رشوان عندما اكتشف أن الرجل ليس أب الولد الصغير، وإنما اصطحبه من الطريق ليتركه رهينة عند الحلاق باعتباره ابنه ويفر دون دفع الأجرة! ولم يكتف الحلاق بضرب الولد المسكين الذي لا ذنب له، بل أمسك بي أنا أيضًا وهو يصيح: وانت كمان أبوك فين يا ولاد النصابين؟ ولم أدرِ في مقاومتي أنني كسرت قصرية زرع فتحول الحلاق إلى القصرية المكسورة وتحولت أنا إلى الشارع أسابق الريح. من يومها أصبت بما يمكن أن يسمى بـ(رهاب الحلاقة).
والكتب تشبه الناس بأطباعهم المختلفة، بعضهم هادئ عميق تتمعن في معاني كلماته والصور التي يشكلها، فتقرأه ببطء، وبعضهم مثل الزائر الذي لا يحب الجلوس طويلًا فيدخل مباشرة في الأحاديث مستخدمًا المفردات السهلة، وبعضهم لا يرضون إلا يأخذك أخذًا كاملًا إلى عوالمهم هم، إلى أرضهم وتواريخهم وأناسهم، حتى تشعر إذا ما توقفت عن القراءة لدقائق بأنك في تأثير كتابتهم فترى بيوتهم وأشخاصهم أمامك. السطور التالية انتظرتني طويلًا، قد لا تكون أجمل ما في الكتاب، لكنها استوقفتني.
ـ (رأيت رام الله) لمريد البرغوثي، وهو مزيج من المذكرات والسيرة الذاتية والشعر، تدور في فلك الاغتراب والشتات الذي عاشه ويعيشه الفلسطينيون، كلما قرأت صفحات عدة توقفت كي أقول: لا أحد يكتب في غير الشعر مثلما يكتب الشاعر، لأنه يحول الكلمات إلى لوحات يصعب نسيانها، حتى المضحكة منها تنهض من مشهد إنساني متدفق المشاعر، وقد تضحك بعد بكاء بصفحات قليلة، وقد تبكي بعد مسحك لدموع الضحك من صفحات قليلة سابقة. هذه السطور للغرباء الذين عادوا للتو، وهنا كان مريد قد عاد للتو للعيش مع عائلته بعد فراق دام 17 عامًا (كان علينا أن نتحمل (وضوح الغربة) وعلينا اليوم أن نتحمل (غموض العودة) أيضًا. وقد تحمّلنا. أدركنا، وكان هذا اكتشافًا، أن العائد يعود وعلى كتفيه أحمالٌ يستطيع المرهف أن يراها كما يرى عتالًا محني الظهر في ضباب الميناء. المنشود هنا هو البطء. ستتخذ اهتزازات الماضي مداها إلى أن تهدأ وتسكن وتجد لها شكلها الذي تستقر عليه).
ـ هل للفوبيا مُسبب؟ من عوالم الفوبيا اخترت ما كتبه أحمد رجب في (أي كلام) تحت عنوان في الصالون. لا أستطيع الجزم أن الجميع لديهم (فوبيا)، لكن الكثير منا لديهم هذه الفوبيا، أما أحمد رجب رحمه الله فقد كانت الفوبيا عنده من الحلاق (أكره الحلاقة جدًا، الأرجح أن السبب حادثة مرت عليها عشرات السنين يوم ذهبت أحلق شعري وأنا في المدرسة الابتدائية فدخل رجل صالون الحلاقة وفي يده ابنه في مثل عمري، فقص الرجل شعره وحلق ذقنه، وكان دور الولد الصغير فأجلسه الحلاق على منضدة ليقص شعره بينما ذهب الأب إلى الحانوت المجاور بعد أن نفدت سجائره، وجن جنون الأسطى رشوان عندما اكتشف أن الرجل ليس أب الولد الصغير، وإنما اصطحبه من الطريق ليتركه رهينة عند الحلاق باعتباره ابنه ويفر دون دفع الأجرة! ولم يكتف الحلاق بضرب الولد المسكين الذي لا ذنب له، بل أمسك بي أنا أيضًا وهو يصيح: وانت كمان أبوك فين يا ولاد النصابين؟ ولم أدرِ في مقاومتي أنني كسرت قصرية زرع فتحول الحلاق إلى القصرية المكسورة وتحولت أنا إلى الشارع أسابق الريح. من يومها أصبت بما يمكن أن يسمى بـ(رهاب الحلاقة).