|


رياض المسلم
الغناء بالفصحى.. والتباهي بالأخرى
2022-10-07
عندما يتحدث شخص باللغة العربية الفصحى فالأنظار تتخاطفه، وعلامات الدهشة تحاصره، ويشعرك من يتحدث بها كأنه غريب عن أقاربه ومجتمعه، وقد يصل إلى حد الاستهتار من قبل البعض ويطالبونه بأن يتحدث “زي الناس”، على حد قولهم.
اللغة العربية الفصحى ضاعت في الغياهب وتاهت في الأماكن، وخرج منها أبناء عاقين ممن يستعينون بلغات أخرى أقحموها عنوة في أحاديثهم ليبرهنوا ثقافتهم ومعرفتهم، فألسنتهم ضاعت بين لغتهم الأم والأجنبية، ويفاخرون بجملة يرددونها “إيش اسم الكلمة بالعربي للأسف ما أعرفها”.
ومن المواقف المحزنة أيضًا عند مباهاة الأب بابنه الذي أدخله مدارس عالمية في السعودية لا تهتم بتعليم اللغة العربية، مصطحبًا إيّاه في المجالس ويردد فرحًا: “تصدقون ولدي ما يعرف يتلكم عربي”، فتحاصره نظرات الإعجاب من الزوار ويرددون “ما شاء الله تبارك الله الولد ذكي وله مستقبل”.
ومن المواقف، عندما تدخل اجتماعًا حضوره من الناطقين باللغة العربية، بالكاد تسمع كلمة عربية وكل منهم يستعرض قوته في “الإنجليزية” معتقدين أنهم في مقابلة وظيفية للعمل في البيت الأبيض.
مواقف عدة مشابهة تمر علينا في حياتنا اليومية تضرب في لغتنا العربية الصامدة التي لم تعرف مرحلتي الطفولة والشيخوخة، وظلّت صامدة أمام الكثير من محاولات زعزعتها.
لا نطلب من الجيل الحالي عدم تعلم اللغات الأخرى، بل هو أمر ملح ومهم وأولوية، لكنه لا ينسينا لغتنا الجميلة، وعندما ينطقون بها فهي تزيدهم عزة وشرفًا ولا تنتقص منهم.
وفي مجالنا الصحافي، الذي يتوجب على ممثليّه أن يكونوا حامليّ لواء اللغة العربية، فهي الركن الأساسي في عملهم نجد البعض من الزملاء يركنون “الفصحى” جانبًا ويعتمدون ما يسمونه “اللغة البيضاء” وهو مصطلح أطلقوه لينجيهم من انتقاد تخليهم عن الحديث باللغة القويّمة.
الأمر لم يقتصر على الضيوف في البرامج بل حتى من يقف خلف المذياع أو الشاشة انساقوا إلى تبييض اللغة، ولم يدركوا أنهم بذلك يزيدون سواد الموقف.
يحسب لوزارة الثقافة مبادراتها الاهتمام باللغة سواء من خلال المجال الرياضي أو الفني، وكان آخرها كرنفال الغناء بالفصحى، وقال البعض إن الحفلات الغنائية لن تنجح كون الحضور لم يعتادوا على هذا الأمر، لكن لغة الأرقام تحدثت بعد نفاد التذاكر.. فكل الشكر للوزارة الفتيّة بقيادة وزيرها الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان على تلك الأفكار النيّرة التي تعيد للغة هيبتها وتجعلها أكثر من منهج يدرس فقط في المدارس والجامعات.