|


طلال الحمود
صحافة بلا «فوطبول»
2022-12-04
من عجائب بطولة كأس العالم 2022 أنها أحدثت زلزالًا في الإعلام العربي لم يسبق له مثيل منذ نكسة أحمد سعيد في عام 1967، وظهر أن نتائج المباريات ساهمت في غربلة المفاهيم التي سارت عليها بعض الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية لسنوات طويلة في صناعة محتوى الرسالة الإعلامية، بعدما اكتشف مسيروها أخيرًا أن رسائلهم التقليدية تضيع بلا صدى ولا صوت مسموع، وسط محتوى وسائل التواصل الاجتماعي الذي استحوذ على اهتمام الجمهور بطريقة لا يستطيع الإعلام التقليدي مجاراتها.
ومع انطلاق المونديال وتحقيق المنتخبات العربية لنتائج دغدغت مشاعر الجماهير من المحيط إلى الخليج، وجدت الصحافة التقليدية نفسها في ورطة، بعدما احتفل العرب بالفوز على الأرجنتين وبلجيكا وفرنسا في مشهد حقيقي تابعه العالم وبثَّته وكالات الأنباء بعيدًا عن إعلام أحمد سعيد وتلاميذه، الذين ما زالوا يعتقدون أن المتلقي لا يبحث إلا عن أخبار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وتأثير الحرب الباردة على الموقف الدولي تجاه جنوب لبنان ومرتفعات الجولان، وخلال ساعات حاول الإعلام التقليدي الممول بمليارات الدولارات أن يستوعب الحقيقة ويتدارك فضيحة العزلة حين حوَل منصاته إلى رياضية تخلط الحابل بالنابل، من أجل لفت الانتباه وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وكثير ما يتحدث رموز الصحافة التقليدية بفخر عن جهلهم بـ “الفوطبول” وعدم متابعة ما يجري في منافسات كرة القدم عمومًا، دون إدراك منهم أن الأخبار ليست مرادفًا للسياسة ولا حكرًا عليها، خاصة أن الإعلام في العالم يعتبر السياسة جزءًا يسيرًا، قياسًا على اهتمام الجمهور المستهدف بالاقتصاد والرياضة والتقنية والترفيه والصحة وغيرها، علمًا أن ما سبق لا يخلو من جوانب سياسية تزيد من جهل هؤلاء بالسياسة والإعلام معًا، وتكشف حقيقة أن المتلقي العربي تغير وبات أكثر وعيًا من الصحافة التقليدية التي تخاطبه وتفرض وصايتها على عقله واهتماماته.
كانت وسائل الإعلام التقليدية ترى في فوز الجزائر على ألمانيا خلال عام 1982 حدثًا لا يستحق الاحتفال، قياسًا على الأحداث الساخنة في جنوب لبنان ومزاج الشارع العربي الذي يتطلع حينها إلى فوز عسكري أكثر من اهتمامه بتحقيق انتصار حضاري على حساب بقية الأمم، وبعد نحو 40 عامًا تغيرت المفاهيم وأصبح المتلقي يرى في انتصار الشبان العرب مكاسب إعلامية واقتصادية من شأنها جلب الاستثمارات وتحسين معيشة المجتمعات نحو مستقبل أفضل يمنح البلدان القدرة على الاستقرار السياسي والازدهار في كثير من المجالات، بعيدًا عن تلبية رغبات إعلام “الصدأ” على حساب الحاجات.