|


أحمد الحامد⁩
فونتلين
2023-06-20
منذ 7 سنوات ونحن لا نفترق، أحمله معي أينما أذهب، في السفر وفي المشاوير القصيرة، أضعه في الدرج الصغير بجانب السرير عندما أنام. ولا أتركه في السيارة خشية نسيانه في الطقس الحار.
إنه صديقي (الفونتلين) أو (البخاخ) كما يفضل أن يسميه المصابون بالربو. وأنا لا أُعتبر مصابًا إصابة دائمة بل متقطعة، قال لي أحد زملاء الربو إنني أعاني من تحسس ربوي، أي أن مسببات محددة هي المسببة له، ولغاية اليوم لا أعرف المسبب الحقيقي الذي يثير الشعب الهوائية فتتقلص تجاه بعضها لتمنع عني الهواء حد الاختناق، شيء واحد أعرفه هو الطقس، انتبهت أن طقسًا معينًا يحفز شعبي الهوائية ضدي، طقسًا عادة ما يكون رطبًا وغالبًا يكون طقسًا أوروبيًا. لكن الأمور ولله الحمد تمضي على ما يرام، عدة استخدامات في السنة للفونتلين تعتبر لا شيء أمام الذين يستخدمونه بطريقة شبه يومية. سافرت والفونتلين خلال السنوات السبعة مرات عديدة، رفيقي في كل مكان، أتحسس مكانه في حقيبتي اليدوية قبل الخروج، ولا أشعر بالراحة إذا ما فقدته في الغرفة حتى أجده. لم أفكر في الاستغناء عنه لأنه أشبه بالسلاح الذي حينما تحين لحظة أهميته يكون هو أثمن ما تملك. في بداية هذا الشهر وبعد عام كامل من عدم استخدامه قررت ألا أصحبه في سفري هذا، جاءتني قناعة بأنني لم أعد أحتاجه، قناعة كانت مثل الكثير من القناعات السابقة، لا تستحق أن تكون حتى فكرة عابرة، ومع ذلك كنت أجعلها خريطة طريق تنتهي بالاصطدام بالجدار. بالأمس وفي العاصمة الأوروبية بدأت الغيوم تجتمع بالقرب من بعضها لتشكل كتلة واحدة، سرعان ما تحولت إلى داكنة، في هذه الأثناء كانت الريح تتسارع، ثم سمعت صوت البرق معلنًا وصول المطر. ما أكثر المطر في أوروبا، إنه سبب اخضرار أراضيهم وفتوة أنهارهم. بعد توقف المطر الذي استمر نحو نصف ساعة بدأت أشعر بضيق في التنفس اشتد مع دخول الليل، ثم بدأت أشعر بالاختناق. والمختنق تتحول كل أفكاره وأمانيه وطموحاته إلى الرغبة للتنفس بشكل طبيعي، إلى الطريقة المعتادة التي لم يكن يدرك أهميتها العظيمة لأنه اعتاد عليها، مجرد دخول النفس وخروجه بشكل سليم، هذا كل ما يطمح له في الحياة كل مصاب بنوبة ربو. لم يكن الحال مناسبًا لجلد الذات، لقد تركت الفونتلين وحدث الأمر، الآن أريد الهواء. كانت الساعة الثانية والنصف صباحًا، بحثت في جوجل عن الصيدليات القريبة، جميعها مغلقة، خرجت لأتنفس هواءً نقيًا فزادت الحالة سوءًا، بحثت عن أقرب مستشفى وطلبت سيارة أوصلتني لمستشفى لا قسم للطوارئ فيه، بحث عن آخر بطوارئ، عندما وصلت وجدت بابًا صغيرًا لمبنى لا يشير لمستشفى، كان عيادة، عدت للسكن منتظرًا الفجر، فالطقس عند الفجر يكون مختلفًا، فتحت الشبابيك وما زلت مختنقًا. كانت الصيدلية القريبة تفتح عند الثامنة والساعة الآن السادسة، تمددت ونمت بعد تدخل عدة نسمات باردة، صحوت عند الثامنة والربع، قطعت مسافة 200 متر ببطء وانحناء، لم تتأخر الصيدلانية عن إعطائي الفونتلين دون وصفة طبية كما هو مفروض، فتحت العلبة، استنشقت الفونتلين بشدة، وفي لحظات زال الاختناق وعدت للحياة، تراءت أمامي وجوه المختنقين من الربو دون أن يجدوا الفونتلين أو لا يملكون ثمنه. فبكيت.